لطالما كانت اللغات وسيلة تواصل بين البشر، ومع مرور الزمن وتفاعل الثقافات المختلفة، شهدت اللغات تطورات نتيجة للاحتكاك البشري. تتجلى هذه التطورات من خلال عمليات الاقتراض اللغوي التي تؤدي إلى تغيير في بنية اللغة ونطقها وحتى في قواعدها النحوية. هذا المقال يستعرض كيف أن الاختلاط بين الشعوب لا يقتصر على تبادل الجينات فحسب، بل يمتد ليشمل التبادل اللغوي والثقافي.
الاقتراض اللغوي: كيف تنشأ الكلمات الجديدة؟
عندما يلتقي متحدثو لغات مختلفة، يحدث تمازج في الكلمات والأصوات والبنى النحوية بطرق غير متوقعة. يعتبر الكاتشب مثالاً على ذلك، حيث أصبح جزءًا من المطبخ الأمريكي، لكن الكلمة ذاتها دخلت اللغة الإنجليزية عبر اللغة الصينية في نهاية القرن السابع عشر. مثال آخر هو عبارة “Attorney General”، التي تتضمن ترتيبًا لكلمات يتبع النمط الفرنسي القديم بسبب تأثير غزو النورمان لإنجلترا عام 1066. هذه الأنواع من التبادل، التي تُعرف بالاقتراض اللغوي، تشكل جزءًا كبيرًا من كيفية تطور اللغات عالميًا.
التفاعل الجيني واللغوي: العلاقة بين الجينات واللغة
على الرغم من وجود فجوات في السجلات التاريخية عن التفاعل بين الشعوب، فإن آثار هذه التفاعلات الماضية لا تزال قائمة في الحمض النووي البشري. وعندما تشير جينات الشخص إلى أن أجداده جاءوا من مجموعتين مختلفتين، فمن المنطقي أن يكون هؤلاء الأجداد قد تفاعلوا بشكل وثيق بدرجة كافية لدمج لغاتهم. لذا قام فريق من الباحثين بتحليل بيانات جينية لأفراد من جميع القارات المأهولة تقريبًا، وحددوا 126 حالة تشير إلى تزاوج بين مجموعتين متميزتين في الماضي.
نتائج الدراسة: تأثير التزاوج على الخصائص اللغوية
أظهرت نتائج الدراسة التي نُشرت في 29 أغسطس في مجلة Science Advances أن اللغات تصبح أكثر عرضة لتشارك الخصائص اللغوية بنسبة تتراوح بين 4 إلى 9 بالمئة عندما يحدث تزاوج بين مجموعات تتحدث لغات غير مرتبطة. على الرغم من أن هذا التأثير يبدو طفيفًا، إلا أنه ثابت، مما يوضح أن الاختلاط الجيني يؤدي إلى زيادة في الاقتراض اللغوي بشكل عام.
التفاصيل المتنوعة للاقتراض اللغوي
للتأكد من تشابه الأزواج اللغوية التي تم تحديدها من خلال الاختبارات الجينية، قارن الباحثون الأزواج باستخدام قواعد بيانات تتبعت أكثر من 600 خاصية لغوية عبر آلاف اللغات. ووجدوا أن كمية الاقتراض بقيت ثابتة، إلا أن تفاصيل هذه الاقتراضات تباينت بشكل كبير من حالة إلى أخرى. في بعض الأحيان تناقضت هذه التفاصيل مع ما كان يتوقعه اللغويون بناءً على الأبحاث السابقة.
الخاتمة
تلعب الجينات دورًا مهمًا في الكشف عن روابط لغوية وثقافية جديدة حيث يمكن أن تكشف عن تفاعلات غير معروفة سابقًا بين اللغات والثقافات. من خلال هذه الأبحاث، يمكن للعلماء تحسين فهمنا للغات العالم وتوضيح أي أجزاء من اللغة نشأت محليًا وأيها نتج عن التأثيرات الخارجية.


