العقل البشري: هل نحن نعيش في وهم دائم؟

في حوار مثير مع دانيال يون، أستاذ مشارك في علم الأعصاب الإدراكي ومدير مختبر عدم اليقين في جامعة بيركبيك، لندن، نتعرف على نظرة جديدة لكيفية عمل العقل البشري. يقدم يون في كتابه الجديد “خدعة العقل: كيف يخترع الدماغ واقعك” فكرة أن أدمغتنا لا تسجل الواقع ببساطة، بل تبني نظريات مستمرة لتفسير ما حولنا.

العقل كعالم

يبدأ دانيال يون بتوضيح أن الدماغ يشبه العالم، حيث يقوم ببناء نظريات وتفسيرات بناءً على البيانات التي يستقبلها. هذه العملية ليست مجرد تسجيل للواقع، بل هي عملية ديناميكية تتضمن تطوير نماذج نظرية تساعدنا على تفسير العالم من حولنا.

ويشير يون إلى أن هذا ليس عيبًا في العقل، بل هو ميزة تتيح لنا الاستجابة بسرعة لما يحدث حولنا. إن هذه القدرة على التنبؤ تجعل من الممكن لنا أن نفهم العالم بكفاءة وسرعة، ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تقودنا إلى استنتاجات خاطئة إذا كانت التوقعات مبنية على بيانات غير صحيحة.

كيف ندرك الواقع؟

عندما نستمع إلى الأصوات أو نرى الأشياء، فإن العملية ليست مجرد استقبال للمعلومات، بل هناك حركة ثنائية الاتجاه بين الإشارات الداخلة والتوقعات التي تنزل من مستويات الدماغ العليا إلى الأدنى. هذه التوقعات تضيف سياقًا وتفسيرًا لما نراه ونسمعه.

يون يوضح أن هذه العملية يمكن أن تُرى بوضوح عندما نخطئ في سماع كلمات الأغاني. فعندما نسمع شيئًا مثل “Excuse me while I kiss this guy” بدلاً من “the sky”، فإن العقل هنا يقترح نظرية معقولة بناءً على ما يتوقعه، مما يجعلنا ندرك شيئًا غير حقيقي.

أهمية التكيف والتنوع

يشير يون إلى أن الدماغ يتكيف بسرعة وفقًا للبيئة المحيطة به. عندما تكون البيئة مستقرة، فإن الدماغ يميل إلى التمسك بالنماذج السابقة، ولكن في الأوقات غير المستقرة، يصبح أكثر مرونة وقابلية للتغيير.

هذا التكيف يمكن أن يكون مفيدًا في فهم الآخرين والعالم من حولنا. تنوع التجارب يمكن أن يعزز من قدرتنا على التنبؤ بشكل أكثر دقة، حيث أن الدماغ يستخدم تجارب الماضي لفهم الحاضر.

القصور والتحديات

لكن، كما هو الحال مع كل نظام، هناك جوانب سلبية. إذا كانت التوقعات مبنية على نظريات خاطئة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إدراك مشوه للواقع. في الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى الاضطرابات النفسية، مثل الفصام، حيث يمكن أن يكون هناك تضخيم لهذه العمليات التنبؤية في الدماغ.

هذا الفهم الجديد يمكن أن يغير الطريقة التي ننظر بها إلى بعض الأمراض النفسية، ويعطينا فكرة عن كيفية تعامل الأشخاص مع العالم حولهم بطرق مختلفة.

الخاتمة

في النهاية، يوضح دانيال يون أن العقل البشري هو آلة معقدة تتطلب توازنًا بين التوقعات والواقع. التعرف على كيفية عمل الدماغ بهذه الطريقة يمكن أن يساعدنا في تحسين فهمنا لذواتنا وللآخرين، ويساعد في تطوير طرق جديدة للتعامل مع الأمراض النفسية. إن إدراكنا للواقع ليس مجرد تسجيل لما يحدث حولنا، بل هو عملية معقدة من التفسير والتنبؤ التي تجعل من العقل البشري أداة قوية ورائعة.

Scroll to Top