في دراسة حديثة باستخدام نموذج الفئران، تمكن الباحثون من تحديد النواة الشبكية في المهاد كهدف محتمل لعلاج اضطرابات طيف التوحد. تُعرف هذه النواة بدورها كمُرَشِّح للمعلومات الحسية بين المهاد والقشرة الدماغية. وقد أظهر البحث أن قمع نشاط هذه المنطقة يمكن أن يعكس الأعراض المشابهة للتوحد، مما يفتح الباب لعلاجات جديدة.
دور النواة الشبكية في الدماغ
النواة الشبكية في المهاد هي جزء من الدماغ يعمل كمحطة ترشيح، تتولى معالجة المعلومات الحسية قبل إرسالها إلى القشرة الدماغية. هذه الوظيفة تجعلها منطقة حيوية لفهم كيفية معالجة الدماغ للمحفزات الخارجية ومدى تأثره بالاضطرابات العصبية مثل التوحد.
في الدراسات السابقة، تم ربط الدوائر العصبية التي تربط بين المهاد والقشرة الدماغية باضطرابات التوحد، ولكن الدور المحدد للنواة الشبكية لم يكن واضحًا. الآن، مع الاكتشافات الجديدة، يمكن اعتبار هذه المنطقة محط اهتمام للبحث في العلاجات المحتملة.
التجارب على نموذج الفئران
لإجراء الدراسة، قام الباحثون بتعديل الفئران جينيًا لتكون نموذجًا لمرض التوحد. هذا النموذج يُعرف بفئران Cntnap2 التي تظهر عليها أعراض مشابهة للتوحد مثل الحساسيات العالية للمحفزات وزيادة النشاط الحركي والسلوكيات المتكررة.
أثناء مراقبة سلوك الفئران، سجل الباحثون النشاط العصبي للنواة الشبكية. ووجدوا أن هذه المنطقة أظهرت نشاطًا مرتفعًا عند تعرض الفئران لمؤثرات مثل الضوء أو النفث الهوائي، وكذلك أثناء التفاعلات الاجتماعية. هذا النشاط المفرط كان مرتبطًا أيضًا بحدوث نوبات صرع.
العلاقة بين التوحد والصرع
الصرع هو اضطراب عصبي شائع بين الأشخاص المصابين بالتوحد، حيث يصيب 30% منهم مقارنة بنسبة 1% في عموم السكان. رغم أن الآليات التي تربط بين التوحد والصرع ليست مفهومة بالكامل، إلا أن الدراسة الحالية تسلط الضوء على الدور المحتمل للنواة الشبكية في هذا الصدد.
اختبر الباحثون عقارًا تجريبيًا لعلاج النوبات، المعروف باسم Z944، ووجدوا أنه يعكس العيوب السلوكية في نموذج الفئران المصابة بالتوحد. هذا يعزز الفكرة بأن العمليات العصبية في التوحد والصرع قد تتداخل في الدماغ.
تطوير العلاجات المستقبلية
بالإضافة إلى الأدوية، استخدم الباحثون علاجًا تجريبيًا آخر يعتمد على تعديل الخلايا العصبية لتستجيب لأدوية مصممة، والمعروف باسم تنشيط الأعصاب القائم على DREADD. هذا العلاج يمكن أن يقمع النشاط المفرط في النواة الشبكية ويعكس العيوب السلوكية في نموذج التوحد.
ومن المثير للاهتمام، أن الباحثين تمكنوا أيضًا من إحداث هذه العيوب السلوكية في الفئران الطبيعية عن طريق زيادة النشاط في النواة الشبكية، مما يؤكد دورها الحاسم في السلوكيات المرتبطة بالتوحد.
الخاتمة
تفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة لفهم آليات التوحد والصرع، وتبرز النواة الشبكية في المهاد كهدف واعد للعلاج. قد يكون لهذه الاكتشافات تأثير كبير على تطوير علاجات جديدة يمكن أن تحسن حياة الأفراد المصابين بالتوحد والصرع على حد سواء. تتطلب الخطوات القادمة المزيد من البحث لفهم الأدوار الدقيقة لهذه المنطقة ولتطوير العلاجات المناسبة التي يمكن أن تستهدفها بشكل فعال.