يُعتبر التلوث الهوائي أحد التحديات البيئية الكبرى التي تواجه العالم اليوم، وله تأثيرات واسعة على الصحة العامة. مؤخراً، كشفت دراسة جديدة عن أن التلوث الهوائي لا يقتصر على زيادة خطر الإصابة بالخرف، بل يساهم في تفاقم حالة مرض ألزهايمر، مما يبرز أهمية فهم جميع العوامل المؤثرة في هذا المرض، بما في ذلك البيئة التي يعيش فيها الأفراد.
الجزيئات الدقيقة وخطرها على الصحة
التلوث الهوائي يتكون من مواد جسيمية دقيقة، وهي جسيمات صغيرة قابلة للاستنشاق يتراوح حجمها بين 10 ميكرومتر وأقل من 2.5 ميكرومتر. هذه الجسيمات تأتي من مصادر متعددة مثل دخان الحرائق، عوادم السيارات، مخلفات مواقع البناء، واحتراق المصانع. يُعرف أن الجسيمات التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرومتر (PM2.5) يمكن أن تُمتص في مجرى الدم عند استنشاقها، مما يسبب مجموعة من المشكلات الصحية.
ربطت أبحاث سابقة بين التلوث الهوائي الذي يحتوي على جسيمات PM2.5 وبين زيادة خطر الإصابة بالخرف وفقدان الوظائف الإدراكية وتسريع التدهور العقلي.
دراسة تأثير التلوث على الدماغ
قام الباحثون بفحص عينات دماغية من أكثر من 600 عملية تشريح مأخوذة من بنك الأدمغة في جامعة بنسلفانيا. باستخدام بيانات من الأقمار الصناعية وأجهزة مراقبة جودة الهواء المحلية، قام الباحثون بنمذجة كمية PM2.5 في الهواء بناءً على موقع سكن كل شخص.
وجد الباحثون أنه مع كل زيادة بمقدار 1 ميكروغرام لكل متر مكعب من PM2.5، زاد خطر تراكم بروتينات الأميلويد والتاو المرتبطة بمرض ألزهايمر بنسبة 19٪، مما يدل على تأثير التلوث الهوائي على تدهور الحالة الدماغية.
التأثيرات السريرية للتلوث
عند مراجعة السجلات السريرية للأفراد المشاركين في الدراسة، تبين أن الذين عاشوا في مناطق ذات تركيزات عالية من PM2.5 أظهروا تدهورًا إدراكيًا أكبر وظهور أسرع للأعراض، مثل فقدان الذاكرة وصعوبة التحدث وضعف الحكم، مقارنةً بأولئك الذين عاشوا في مناطق ذات تركيزات أقل من التلوث.
تشير هذه النتائج إلى أن العيش في مناطق ذات تلوث هوائي مرتفع يمكن أن يسرع من ظهور أعراض مرض ألزهايمر ويزيد من حدتها.
الاعتبارات البيئية والشخصية
على الرغم من أن هذه الدراسة ركزت على التعرض لـ PM2.5 بناءً على الموقع الجغرافي، أقر الباحثون بأنهم لم يتمكنوا من حساب التعرضات الفردية المحددة للتلوث الهوائي، مثل التعرض لدخان السجائر داخل المنزل أو العمل مع المواد الكيميائية الخطرة.
ومع ذلك، تظل الدراسة دليلاً قوياً على أهمية تقليل التلوث الهوائي كجزء من الجهود المبذولة للعدالة البيئية وتحسين الصحة العامة.
الخاتمة
أظهرت الدراسة بوضوح أن التلوث الهوائي ليس فقط عاملاً في زيادة خطر الإصابة بالخرف، بل يساهم في تفاقم حالة مرض ألزهايمر. تقدم هذه النتائج دليلاً قوياً على أهمية تحسين جودة الهواء من خلال الجهود البيئية والسياسات العامة، وتؤكد على الحاجة الملحة لفهم العوامل البيئية المؤثرة في الأمراض العصبية التنكسية. إن تحسين جودة الهواء يمكن أن يكون خطوة فعالة نحو تحسين الصحة العامة والوقاية من الأمراض المرتبطة بالتلوث.