في خطوة رائدة في مجال الفيزياء، تمكن باحثون من معهد نيلز بور بالتعاون مع جامعتي كونستانز وETH زيوريخ من نقل الاهتزازات عبر غشاء فائق الرقة بفعالية غير مسبوقة، حيث أن فقد الإشارة كان ضئيلاً للغاية مقارنة بالدوائر الإلكترونية التقليدية، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجالات الحوسبة الكمومية وأجهزة الاستشعار.
الأغشية فائقة الرقة: تقنية جديدة في نقل الإشارات
تخيل غشاءً يشبه طبقة الدف، لكنه أرق بكثير، يبلغ عرضه حوالي 10 مم ومثقوب بالعديد من الثقوب المثلثة. هذا الغشاء يمثل منصة قوية لنقل الإشارات الصوتية المتمثلة في الفونونات، وهي الاهتزازات التي تنتقل عبر المادة الصلبة. يتكون الإشارة من ذرات تهتز وتدفع بعضها البعض، مما يسمح بانتقال الإشارة عبر المادة.
تواجه تقنيات نقل الإشارات التقليدية تحديات مثل فقدان القوة أو تشويه الإشارة بسبب الحرارة أو الاهتزازات غير الصحيحة، مما يؤثر على القدرة على فك ترميزها بشكل صحيح. لذلك، فإن تقنية الأغشية فائقة الرقة تمثل حلاً مبتكرًا لتقليل هذه الخسائر.
فعالية النقل عبر الأغشية: خسارة ضئيلة جداً
لقد نجح الباحثون في إرسال إشارات عبر الغشاء بشكل شبه خالٍ من الفقد، حيث تم قياس الخسارة بانخفاض في سعة الموجة الصوتية أثناء حركتها حول الغشاء. عندما يوجه الباحثون الإشارة عبر المادة وحول الثقوب في الغشاء، تكون الخسارة حوالي فونون واحد من كل مليون، وهو ما يمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالدوائر الإلكترونية التي تتعرض لانخفاض في السعة بشكل أسرع بمعدل مئة ألف مرة.
هذا الإنجاز يدل على أن الغشاء يمكن أن يكون منصة موثوقة للغاية لنقل المعلومات، مما يعزز من تطور التقنيات التي تعتمد على الدقة في نقل الإشارات.
آفاق البحث الأساسية: نحو تطبيقات مستقبلية
يرى الباحثون في معهد نيلز بور، مثل الأستاذ المساعد شيانغ شي والبروفيسور ألبرت شليسر، أن هذا الاكتشاف ليس مجرد إنجاز تقني، بل هو بداية لاستكشاف إمكانيات جديدة في البحث الأساسي. لا يتعلق الأمر بتطبيق محدد في الوقت الحالي، ولكن الإمكانيات المستقبلية غنية بالأفق.
واحدة من التطبيقات المحتملة هي في مجال الحوسبة الكمومية، التي تحتاج إلى نقل دقيق للغاية للإشارات بين أجزائها المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث في مجال المستشعرات الكمومية، التي يمكنها قياس أصغر التغيرات البيولوجية في الجسم، قد تستفيد أيضًا من هذا التقدم.
الخاتمة
إن هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة في مجال الفيزياء ونقل الإشارات عبر الأغشية فائقة الرقة، مما يفتح الباب أمام العديد من التطبيقات المستقبلية المحتملة. من خلال تقليل فقد الإشارة إلى مستويات غير مسبوقة، يمكن أن يسهم هذا البحث في تطوير تقنيات جديدة في مجالات الحوسبة الكمومية وأجهزة الاستشعار، مما يعزز من قدرتنا على فهم العالم من حولنا بشكل أفضل. إن البحث الأساسي في هذا المجال لا يهدف فقط إلى إيجاد حلول للمشاكل الحالية، بل إلى خلق معرفة جديدة يمكن أن تقودنا إلى ابتكارات مستقبلية غير متوقعة.