تعتبر مناطق الاندساس من أخطر الظواهر الجيولوجية التي تسبب الزلازل والتسونامي الأكثر تدميراً في العالم. ولكن كيف تتشكل هذه المناطق الخطرة؟ دراسة حديثة في مجلة “جيولوجيا” تقدم دليلاً على أن الاندساس يمكن أن ينتشر مثل العدوى، قافزاً من صفيحة محيطية إلى أخرى، وهو فرضية كانت صعبة الإثبات سابقاً.
ما هو الاندساس وكيف يحدث؟
الاندساس هو عملية جيوفيزيائية حيث تنغمس صفيحة تكتونية تحت أخرى. هذا يحدث غالباً في المناطق التي تلتقي فيها المحيطات بالقارات، وقد يؤدي إلى نشوء الزلازل والبراكين. الاندساس يسحب القشرة الأرضية عميقاً داخل الأرض، مما يجعل من الصعب دراسة بداياته.
الدراسة الجديدة تقدم مثالاً نادراً وقديماً على ما يمكن أن نطلق عليه عدوى الاندساس. يشير الباحثون في هذه الدراسة إلى أنهم اكتشفوا دليل على أن التصادمات المجاورة قد أطلقت “حلقة النار” في شرق آسيا، وهو نظام اندساس هائل يسبب حالياً الزلازل والبراكين من ألاسكا إلى المحيط الهندي الجنوبي.
الأدلة الجيولوجية على انتشار الاندساس
قبل حوالي 300 مليون سنة، كانت الصين مجموعة من الجزر تفصل بينها محيطات التيثيس والآسيوية القديمة. مناطق الاندساس التي كانت موجودة آنذاك استهلكت هذه المحيطات، مما أدى إلى اندماج الكتل الأرضية وتشكيل قارة جديدة ورفع الجبال من تركيا إلى الصين.
بحلول 260 مليون سنة مضت، يبدو أن الاندساس قد انتشر وبدأ في سحب صفيحة المحيط الهادئ المجاورة. وفقاً لمارك ألين، الجيولوجي في جامعة دورهام، فإن “العمل النهائي لتلك المحيطات المغلقة قد يكون إصابة صفيحة المحيط الهادئ وبدء اندساسها غرباً تحت القارة الآسيوية”.
دور شذوذ دوبال في تفسير الظاهرة
العنصر الرئيسي الذي ساهم في إثبات هذه النظرية هو “شذوذ دوبال”، الذي تم تحديده من خلال بصمة جيوكيميائية من محيط التيثيس القديم وما هو الآن المحيط الهندي.
عندما وجد المؤلفون هذه البصمة بشكل غير متوقع في الصخور البركانية من المحيط الهادئ الغربي، استنتجوا أن المادة من التيثيس قد انتشرت شرقاً عبر حدود الصفيحة من منطقة اندساس إلى أخرى، مما أثار هبوط الصفيحة المجاورة.
التوقعات المستقبلية للاندساس
رغم أن آلية الانتشار لا تزال غامضة، إلا أن الباحثين يشتبهون في أن الفوالق التحويلية قد تعمل كنقاط ضعف حيث يمكن أن تسبب التغيرات الطفيفة في زاوية أو سرعة التصادم في زعزعة القشرة المحيطية الكثيفة، مما يؤدي إلى غرقها.
إذا كان الاندساس ينتشر بهذه الطريقة، فهل يمكن أن تكون حواف صفائح المحيط الأطلسي الهادئة نسبياً هي التالية؟ الزلزال الهائل الذي وقع في لشبونة عام 1755 يشير إلى غزو مبكر للاندساس هناك. يعتقد دوارتي أن أجزاء من أيبيريا ومنطقة البحر الكاريبي تشهد المراحل الأولى من هذه العملية.
الخاتمة
تقدم الدراسة الحديثة فهماً جديداً لكيفية انتشار مناطق الاندساس عبر القارات، وهو ما يمكن أن يغير الطريقة التي نفهم بها الزلازل والتسونامي في المستقبل. مع اكتشاف آليات جديدة لانتشار الاندساس، قد نتمكن من التنبؤ بشكل أفضل بالمناطق التي قد تشهد نشاطاً زلزالياً في المستقبل، مما يمكن أن يساعد في تقليل الأضرار البشرية والمادية التي تسببها هذه الكوارث الطبيعية.