عندما ننظر إلى صورة لبيئة غير مألوفة مثل مسار جبلي، شارع مزدحم، أو نهر، نعرف فورًا كيف يمكننا التحرك فيها: المشي، ركوب الدراجة، السباحة أو التوقف عن التقدم. يبدو هذا بسيطًا، ولكن كيف يحدد الدماغ في الواقع هذه الفرص للإجراء؟
فهم الأنماط الدماغية الفريدة
أظهر طالب الدكتوراه كليمنس بارتنيك وفريق من المؤلفين المشاركين كيف نقوم بتقدير الإجراءات الممكنة بفضل الأنماط الدماغية الفريدة. قاد الفريق عالمة الأعصاب الحاسوبية إيريس غرون، وقارنوا هذه القدرة الإنسانية مع عدد كبير من نماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك ChatGPT. واستنتجت غرون أن النماذج الاصطناعية كانت أقل كفاءة في هذا المجال ولا تزال بحاجة إلى التعلم من الدماغ البشري الفعال.
باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي، استقصى الفريق ما يحدث في الدماغ عندما ينظر الناس إلى صور مختلفة لبيئات داخلية وخارجية. استخدم المشاركون زرًا لتحديد إذا كانت الصورة تدعوهم للمشي، ركوب الدراجة، القيادة، السباحة، ركوب القارب أو التسلق، بينما تم قياس نشاطهم الدماغي.
إدراك الفرص للعمل
أراد الفريق معرفة ما إذا كان الناس عندما ينظرون إلى مشهد ما، يرون بشكل رئيسي ما هو موجود مثل الأشياء أو الألوان، أو أنهم يرون أيضًا ما يمكنهم فعله به. يُطلق علماء النفس على هذا المفهوم اسم “الإمكانيات”، مثل سلم يمكن تسلقه أو حقل مفتوح يمكن الجري من خلاله.
اكتشف الفريق أن مناطق معينة في القشرة البصرية تصبح نشطة بطريقة لا يمكن تفسيرها بواسطة الأشياء المرئية في الصورة. لاحظت غرون أن هذه المناطق الدماغية لا تمثل فقط ما يمكن رؤيته، بل أيضًا ما يمكن فعله به. حتى عندما لم يُعطى المشاركون تعليمات صريحة حول الإجراء، كان الدماغ يعالج هذه الإمكانيات بشكل تلقائي. هذا يشير إلى أن الفرص للعمل ليست مجرد مفهوم نفسي، بل هي خاصية قابلة للقياس في أدمغتنا.
مقارنة مع الذكاء الاصطناعي
قارن الفريق أيضًا مدى قدرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج التعرف على الصور أو GPT-4، على تقدير ما يمكن القيام به في بيئة معينة. كانت النماذج أقل كفاءة في التنبؤ بالإجراءات الممكنة. حتى عند تدريبها بشكل خاص على التعرف على الإجراءات، كانت تستطيع تقريب الأحكام البشرية إلى حد ما، لكن الأنماط الدماغية البشرية لم تتطابق مع الحسابات الداخلية للنماذج.
أوضحت غرون أن أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي لا تعطي نفس الإجابات تمامًا مثل البشر، على الرغم من أن هذه المهمة تبدو بسيطة جدًا بالنسبة لنا. هذا يوضح أن طريقتنا في الرؤية متشابكة بشكل عميق مع كيفية تعاملنا مع العالم. نحن نربط إدراكنا بتجربتنا في العالم المادي، وهو ما لا تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي فعله لأنها توجد فقط في الحاسوب.
التعلم من الدماغ البشري
يمس هذا البحث أسئلة أكبر حول تطوير الذكاء الاصطناعي الموثوق والفعال. مع استخدام المزيد من القطاعات للذكاء الاصطناعي، من المهم أن تكون الآلات قادرة ليس فقط على التعرف على ما هو الشيء، بل أيضًا على فهم ما يمكن فعله به. يبرز غرون الجانب المستدام للذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن طرق التدريب الحالية للذكاء الاصطناعي تستخدم كمية كبيرة من الطاقة وغالبًا ما تكون متاحة فقط لشركات التكنولوجيا الكبرى.
يمكن أن تساعد المعرفة الأكثر حول كيفية عمل الدماغ البشري، وكيفية معالجة الدماغ البشري لمعلومات معينة بسرعة وكفاءة، في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً، وأكثر اقتصادية وأكثر ودية للبشر.
الخاتمة
يظهر البحث أن الدماغ البشري يمتلك قدرة فريدة على تحديد الفرص للعمل في البيئات المختلفة، وهي قدرة لا تزال النماذج الاصطناعية بعيدة عن تحقيقها. يعزز هذا الفهم الحاجة إلى تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه التعلم من الدماغ البشري وتجاوز مجرد التعرف البصري إلى فهم أعمق لكيفية التفاعل مع العالم. سيساعد هذا في تطوير تطبيقات أكثر كفاءة واستدامة في مجالات عديدة مثل الرعاية الصحية والروبوتات.