تشهد المملكة المتحدة ثورة علمية في مجال تشخيص الأمراض المعوية، حيث قامت دراسة حديثة بتحليل أكثر من 1000 عينة من البراز لمرضى يعانون من الإسهال باستخدام أدوات تكنولوجية متقدمة. هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية التكنولوجيا الجينية في تحديد مسببات الأمراض التي غالباً ما تفشل الاختبارات التقليدية في التعرف عليها.
استخدام التكنولوجيا الجينية في التشخيص
تُعتبر الإسهال من الأعراض الشائعة للأمراض المعوية المعدية، حيث تؤثر على نحو 18 مليون شخص سنوياً في المملكة المتحدة. على الرغم من انتشارها، فإن الاختبارات المخبرية التقليدية غالباً ما تفشل في تحديد سببها، خاصة عندما تكون العدوى ناجمة عن مسببات غير معروفة أو ناشئة. استخدمت الدراسة تقنيات التسلسل الجيني الميتاجينومي (المعتمد على الحمض النووي) والميتاترانسكريبتومي (المعتمد على الجينات أو الحمض الريبي النووي)، مما أتاح لها اكتشاف وتحليل المادة الجينية مباشرة من عينات المرضى.
أشار الدكتور إدوارد كانينغهام-أوكس، وهو أحد القادة المشاركين في الدراسة من معهد العدوى والعلوم البيطرية والبيئية بجامعة ليفربول، إلى أن الدراسة تعد الأكبر من نوعها في المملكة المتحدة التي تقارن بين التشخيصات التقليدية وهذه الأدوات الجديدة. ليس فقط تمكنت الدراسة من اكتشاف العدوى التي فاتت الاختبارات التقليدية، بل وأيضاً تمكنت من الكشف عن نشاط الميكروبات داخل الأمعاء، وهو ما لا يمكن للتشخيصات التقليدية إظهاره.
استنتاجات جديدة حول السالمونيلا
لأول مرة، تمكن الباحثون من توثيق تعبير الجينات الخاصة بجرثومة السالمونيلا مباشرة من عينة براز بشرية. يقدم هذا الاكتشاف رؤى جديدة حول كيفية بقاء البكتيريا وتكيفها بعد مغادرتها الأمعاء البشرية. وبما أن السالمونيلا تبقى من أولويات مسببات الإسهال في المملكة المتحدة، فإن هذه المعرفة ستكون ذات قيمة كبيرة في مساعدة العلماء على استهداف هذه الجرثومة الخطيرة.
تظهر النتائج الرئيسية للدراسة قوة اختبارات الحمض الريبي النووي في اكتشاف العدوى المخفية، بما في ذلك الطفيليات المراوغة والفيروسات الريبية، كما تم تحديد الجينات النشطة أثناء العدوى. الجدير بالذكر أن الحمض الريبي النووي ظل مستقراً في عينات البراز حتى بدون مواد حافظة، مما يشير إلى أنه أكثر متانة مما كان يعتقد سابقاً. من خلال الجمع بين بيانات الحمض النووي والحمض الريبي النووي، تمكن الباحثون من الحصول على أوضح صورة لعملية العدوى وأكثرها دقة.
تأثير الدراسة على الصحة العامة
أوضح الأستاذ أليستير داربي، المدير المشارك لمركز الأبحاث الجينومية بالجامعة، أن هذه الدراسة توضح كيف يمكن للأدوات الجينية أن تحدث ثورة في كيفية تحديد وفهم العدوى المعوية. من خلال فهم ليس فقط ما هو موجود، ولكن ما يفعله، يمكن تحسين استجابات الصحة العامة، خاصة في ما يتعلق بتفشي الأمراض المنقولة بالغذاء.
يمكن أن تؤثر النتائج بشكل كبير على كيفية تشخيص الأمراض المعوية وإدارتها ودراستها في المملكة المتحدة وخارجها، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة إلى تشخيصات سريعة ودقيقة لا تعتمد على أساليب الزراعة التقليدية.
دور مركز الأبحاث الجينومية في ليفربول
تسلط الدراسة الضوء على الدور الاستراتيجي لمركز الأبحاث الجينومية في ليفربول ومبادرة الأمراض المعدية والميكروبيوم (MaID)، التي تُعتبر جزءاً من منطقة الابتكار في علوم الحياة في مدينة ليفربول.
يضيف الأستاذ داربي أن هذا يتعلق بأكثر من مجرد تشخيص العدوى، بل ببناء منصة للابتكار في الرعاية الصحية. أظهرت الأبحاث السابقة أن المهنيين الصحيين منفتحون على هذا. من خلال جعل بياناتنا متاحة للجميع، نأمل في مساعدة الباحثين الآخرين ومختبرات هيئة الخدمات الصحية الوطنية ووكالات الصحة العامة في بناء على عملنا.
أضاف الدكتور إدوارد كانينغهام-أوكس أن نتائجنا تظهر أن الحمض الريبي النووي، الذي كان يُعتقد سابقاً أنه هش جداً لاستخدامه في اختبار البراز، يمكن أن يقدم رؤى قوية حول كيفية عمل العدوى. هذا يفتح آفاق جديدة لتشخيص هذه الأمراض وعلاجها بشكل أكثر فعالية.
الخاتمة
قاد البحث علماء من جامعة ليفربول، بما في ذلك خبراء السالمونيلا الدكتور بلانكا بيريز-سيبولفيدا والبروفيسور جاي هينتون، وتم تمويله من قبل وحدة أبحاث الحماية الصحية في العدوى المعوية (HPRU-GI)، وهو تعاون بين جامعة ليفربول ووكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة وشركاء آخرين. تمثل هذه الدراسة خطوة كبيرة نحو تحسين تشخيص العدوى المعوية وفهمها، مما يعزز القدرة على الاستجابة السريعة والفعالة لحالات تفشي الأمراض المعدية.