لطالما كانت الأفكار الشائعة حول تقسيم الدماغ إلى نصفين: الأيسر التحليلي والأيمن الفني موضوع جدل واسع. ومع ذلك، تُظهر البحوث الحديثة أن الدماغ يعمل كوحدة متكاملة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإدراك البصري المكاني. يتناول هذا المقال كيفية معالجة الدماغ للمعلومات المرئية وما يعنيه ذلك لوظائفه الإدراكية.
انقسام الإدراك البصري
توضح الأبحاث أن الدماغ قد تطور ليخصص موارد عصبية منفصلة للجانب الأيمن والأيسر من النظر، حتى في المراحل المتقدمة من المعالجة الإدراكية. الهدف من هذا التخصص هو تحسين قدرة الدماغ على معالجة المعلومات. إذ أن القدرة الإدراكية محدودة، وإذا كانت مشغولة بالكامل على جانب واحد، قد يفوت الشخص تهديدًا قادمًا من الجانب الآخر.
الدراسات تُظهر أن الأشخاص والحيوانات يمكنهم تذكر المزيد من الأشياء إذا قُدمت لهم بطريقة منقسمة بين نصفي الكرة المخية، فيما يعرف بـ”الميزة الثنائية”. ومع ذلك، ليس هذا النظام مثاليًا، حيث لا يتتبع الناس أشياء متعددة سواء كانت منقسمة أو غير ذلك، بنفس الكفاءة التي يتتبعون بها شيئًا واحدًا.
الدماغ كرؤية متكاملة
على الرغم من أن الدماغ يحتفظ بالفصل في معالجته للإدراك البصري المكاني، إلا أننا لا نشعر بالارتباك عندما يتحرك جسم ما من جانب إلى آخر في مجال رؤيتنا. هذا يعود إلى قدرة الدماغ على تنفيذ “نقل” سلس للمعلومات بين نصفي الكرة المخية، مشابهًا لكيفية تعامل أبراج الاتصالات الخلوية مع انتقال المكالمات.
عندما يقترب الهدف المرصود من خط الوسط البصري، يظهر النشاط العصبي في النصف الذي سيستقبل الهدف زيادةً قبل وقت العبور. هذا النشاط العصبي المتزامن بين النصفين المخيين يضمن تجربة بصرية متكاملة وسلسة.
الأمراض العصبية والاتصال بين نصفي الدماغ
تظهر العيوب في الاتصال بين نصفي الدماغ في العديد من الأمراض العصبية والنفسية مثل الزهايمر، القلق، الاكتئاب، الفصام، واضطرابات الطيف التوحدي. هذه الاضطرابات قد تؤثر سلبًا على الوظائف الإدراكية.
تشير الدراسات إلى أن فهمًا أساسيًا لكيفية معالجة الدماغ للمعلومات بين نصفيه يمكن أن يسهم في تطوير علاجات جديدة على مستوى الشبكة العصبية لهذه الاضطرابات.
الخاتمة
تلخص الأبحاث المذكورة في هذه المقالة أن الدماغ، رغم تعقيداته وانقسامه الوظيفي، يعمل كوحدة متكاملة لتحقيق تجربة إدراكية سلسة. القدرة على معالجة المعلومات بفعالية عبر نصفي الدماغ تقدم لنا فهمًا أعمق لكيفية عمل الدماغ وتفتح الأبواب لإمكانيات علاجية جديدة للأمراض العصبية والنفسية. يبقى البحث مستمرًا لفهم المزيد عن هذه العمليات العصبية المعقدة واستخدامها لتحسين الأداء البشري في المهام البصرية المعقدة.