في خطوة علمية غير مسبوقة، تمكن علماء الفلك من رصد أول دليل مباشر على دوران ثقب أسود، وهو اكتشاف مهم يعزز فهمنا لطبيعة هذه الأجرام الكونية الغامضة وكيفية تأثيرها على محيطها. هذا الاكتشاف يساعد أيضًا في اختبار نظرية النسبية العامة لأينشتاين بشكل أكثر دقة من أي وقت مضى.
ما هو الثقب الأسود الدوار؟
الثقوب السوداء هي أجسام ذات جاذبية هائلة بحيث لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها. لكن بعض الثقوب السوداء لا تكون ثابتة، بل تدور بسرعة هائلة حول محورها، مما يؤدي إلى تأثيرات فيزيائية مذهلة، مثل:
• تشوه الزمكان بسبب السحب الإطاري، حيث يجبر دوران الثقب الأسود الفضاء من حوله على الدوران معه.
• تغيرات في انبعاثات الأشعة السينية القادمة من المادة التي تسقط فيه، وهو ما استخدمه العلماء للكشف عن الدوران.
كيف تم اكتشاف دوران الثقب الأسود؟
استخدم العلماء بيانات من مراصد فضائية متطورة، مثل مرصد شاندرا للأشعة السينية وتلسكوب إكس إم إم نيوتن الأوروبي، لتحليل الأشعة السينية المنبعثة من قرص المادة الساخنة المحيطة بالثقب الأسود.
الدلائل التي تؤكد دوران الثقب الأسود:
1. تشوه طيف الأشعة السينية
• أظهرت التحليلات أن انبعاثات الأشعة السينية القادمة من المادة حول الثقب الأسود تمتد وتنحرف بطريقة تشير إلى دوران هائل، مما يتوافق مع النماذج الفيزيائية المتوقعة للثقوب السوداء الدوارة.
2. ظاهرة السحب الإطاري (Frame Dragging)
• تم رصد أدلة على تأثير السحب الإطاري، وهو التأثير الذي تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين، حيث يؤدي دوران الثقب الأسود إلى سحب الفضاء والزمان معه.
3. سرعة دوران قريبة من الحد الأقصى
• تشير البيانات إلى أن الثقب الأسود المكتشف يدور بسرعة قريبة جدًا من الحد الأعلى المسموح به نظريًا، مما يجعله أحد أسرع الثقوب السوداء دورانًا التي تم رصدها حتى الآن.
لماذا هذا الاكتشاف مهم؟
1. اختبار نظرية النسبية العامة
• يوفر هذا الاكتشاف فرصة نادرة لاختبار تنبؤات أينشتاين حول الجاذبية في الظروف القصوى، خاصةً حول كيفية تأثير الدوران على بنية الزمكان.
2. فهم تكوين الثقوب السوداء
• يمكن أن يساعد هذا الاكتشاف في معرفة كيف تشكلت هذه الثقوب السوداء، وما إذا كان دورانها ناتجًا عن انهيار النجوم الضخمة أو بسبب تراكم المادة بمرور الوقت.
3. دراسة تأثيرات الثقوب السوداء على مجراتها
• الثقوب السوداء الضخمة التي تدور بسرعة قد يكون لها تأثيرات هائلة على المجرات التي توجد فيها، مثل التحكم في تدفق المادة والطاقة حولها، مما قد يؤثر على تشكل النجوم وتطور المجرات.
ما هي الخطوات القادمة؟
• إجراء تحليلات أكثر تفصيلًا باستخدام تلسكوب جيمس ويب، الذي قد يوفر بيانات أكثر دقة حول كيفية تفاعل المادة مع الثقوب السوداء الدوارة.
• البحث عن ثقوب سوداء أخرى تدور بسرعات مختلفة لفهم ما إذا كان هذا الاكتشاف شائعًا أم نادرًا.
• محاولة رصد موجات الجاذبية الناتجة عن الثقوب السوداء الدوارة باستخدام مراصد مثل ليغو (LIGO) وفيرغو (VIRGO).
خاتمة: نافذة جديدة على الكون الغامض
هذا الاكتشاف لا يكشف فقط عن حقيقة أن الثقوب السوداء تدور، بل يوفر أدلة قوية على كيفية تأثيرها على الفضاء والزمان المحيطين بها. مع استمرار البحث، قد نكون قريبين من فهم أكثر تعمقًا لطبيعة الثقوب السوداء، وربما الاقتراب خطوة أخرى نحو حل أحد أكبر الألغاز في الفيزياء الحديثة.