في عالم متسارع التغيير، تتصدر التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المشهد كمحرك رئيسي في كل من الدفاع والهجوم في مجال الأمن السيبراني. شهدت سنغافورة حديثًا حوارًا مهمًا حول هذه القضية في مكتب Google، حيث تم الكشف عن تحديات واعدة للتغلب على العقبات الأمنية التي واجهتها المنظمات لعقود.
تاريخ طويل من الفشل الدفاعي
ترجع جذور الأزمة الحالية في الأمن السيبراني إلى عام 1972، حينما لاحظ جيمس ب. أندرسون أن الأنظمة التكنولوجية لا تحمي نفسها بشكل فعّال. ومع مرور الخمسين عامًا الماضية، لا تزال هذه المشكلة قائمة، حيث أظهرت البيانات أن 76% من الاختراقات تبدأ من أخطاء بسيطة مثل أخطاء التكوين أو تسرب البيانات.
يعكس هذا الفشل المستمر في معالجة المشاكل الأساسية مدى تعقيد التحديات الأمنية التي تحتاج إلى حلول مبتكرة وجذرية. وتواجه المؤسسات صعوبة في اكتشاف الاختراقات بأنفسها، حيث تعتمد في الغالب على إشعارات من جهات خارجية.
سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي: المدافعون ضد المهاجمين
يشير الخبراء إلى أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم من قبل كل من المدافعين والمهاجمين في ما يُعتبر سباق تسلح عالي المخاطر. تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الهائلة في الوقت الحقيقي، بينما يستغلها المهاجمون لأتمتة الهجمات الإلكترونية واستكشاف نقاط الضعف بسرعة أكبر.
تكمن المشكلة في أن هذه الأدوات القوية يمكن أن تنقلب بسهولة ضد المدافعين إذا لم تُستخدم بحذر ووعي كاملين. ولذلك، تهدف مبادرات Google Cloud إلى تعزيز قدرة المدافعين من خلال تحسين استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الثغرات والتصدي للهجمات.
مشروع “النوم الكبير”: الذكاء الاصطناعي في خط الدفاع الأول
أحد أبرز جهود Google في تحسين الدفاع السيبراني هو مشروع “النوم الكبير”، الذي يعتمد على نماذج اللغة الكبيرة للكشف عن الثغرات في الكود البرمجي. وقد أثبت هذا البرنامج نجاحه في تحديد عدد كبير من الثغرات، مما يعكس تقدمًا كبيرًا في قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاوز العمل البشري التقليدي.
يمثل هذا التحول من التحليل اليدوي إلى الاكتشاف المدعوم بالذكاء الاصطناعي خطوة هامة نحو عمليات أمنية أكثر فعالية وذاتية التشغيل، مما يتيح للأمن السيبراني أن يكون أكثر استباقية في استجابته للتهديدات.
المخاطر المرتبطة بالأتمتة: وعد ووعيد
بينما تسعى Google Cloud إلى تطوير عمليات أمان ذاتية التشغيل، فإنها تدرك المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على الأتمتة. هناك قلق من أن يؤدي ذلك إلى تهميش الحكم البشري وترك الأنظمة عرضة للاستغلال.
تعمل الشركة على وضع ضمانات عملية للتحكم في طبيعة الذكاء الاصطناعي غير المتوقعة، مثل تقنيات Model Armor التي تقوم بتصفية الاستجابات غير المناسبة أو الخارجة عن السياق.
الخاتمة
في الختام، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يشكل مستقبل الأمن السيبراني بشكل لا يمكن إنكاره. ومع ذلك، تتطلب نجاحاته تكاملاً دقيقًا بين التكنولوجيا والرقابة البشرية لضمان الاستخدام الفعّال والأخلاقي. يجب على المنظمات أن تتبنى سياسات شاملة واستباقية للتصدي للتحديات السيبرانية التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.