شهد العالم في مايو من العام الماضي واحدة من أقوى العواصف الشمسية التي أثرت بشكل كبير على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما تسبب في اضطرابات واسعة النطاق في الولايات المتحدة، خاصة في القطاعات الزراعية والطيران. هذه الاضطرابات الناجمة عن العاصفة الشمسية، والتي أطلق عليها اسم “عاصفة غانون”، أسفرت عن خسائر تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي في القطاع الزراعي وحده.
العاصفة الشمسية وآثارها على الغلاف الأيوني
تسببت سلسلة من الانفجارات الشمسية القوية في أوائل مايو من العام الماضي في حدوث العاصفة الشمسية الأقوى خلال العقدين الماضيين. أطلق على هذه العاصفة اسم “عاصفة غانون” تكريماً للباحثة الراحلة في مجال الطقس الفضائي جينيفر غانون. لم تقتصر تأثيرات العاصفة على إظهار الشفق القطبي الرائع في مناطق بعيدة مثل المكسيك والبرتغال وإسبانيا، بل تسببت أيضًا في اضطرابات كبيرة في إشارات GPS.
تؤثر العواصف الشمسية على الغلاف الأيوني للأرض، وهي طبقة من الهواء المشحون كهربائياً تقع على بعد حوالي 48 كيلومتراً فوق سطح الأرض. تتسبب الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس في تسخين هذه الطبقة وإثارة اضطرابات تؤدي إلى انحراف إشارات GPS.
دراسة تأثير العاصفة باستخدام الشبكة الثابتة لأجهزة GPS
قام فريق من الباحثين من جامعة بوسطن باستخدام بيانات من حوالي 100 جهاز GPS عالي الدقة موزعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة لتحديد مدى تأثير العاصفة على الإشارات. هذه الأجهزة جزء من شبكة بحث زلزالي تقيس حركات الصفائح التكتونية، ووجد الباحثون أنها مثالية لدراسة تأثيرات الطقس الفضائي على الغلاف الأيوني.
تعمل أجهزة GPS على افتراض أن الغلاف الأيوني لديه كثافة بلازما موحدة. ولكن عندما تضرب العاصفة الشمسية، فإنها تخلق عدم انتظام في الكثافة، مما يؤدي إلى انحراف الإشارات أثناء مرورها عبر طبقات الغلاف الأيوني.
التأثيرات على القطاع الزراعي والطيران
كان للمزارعين في الغرب الأوسط الأمريكي نصيب كبير من تأثيرات العاصفة الشمسية، حيث توقفت الجرارات الموجهة بنظام GPS عن العمل بشكل صحيح. وفقاً للبروفيسور تيري جريفين من جامعة ولاية كانساس، فإن نحو 70% من المساحات المزروعة في الولايات المتحدة تعتمد على معدات تستخدم توجيه GPS، مما أدى إلى تأخر في زراعة الذرة وتكبد خسائر مالية كبيرة.
كما تأثر قطاع الطيران بشكل كبير، حيث تعتمد الطائرات على GPS لتحديد مساراتها خاصة أثناء عمليات الهبوط. كانت الأخطاء في تحديد المواقع تتجاوز الحد المسموح به بأربعة أمتار، مما قد يشكل خطراً كبيراً على سلامة الطيران.
الخاتمة
تكشف عاصفة غانون عن مدى ضعف أنظمتنا التقنية الحيوية أمام تأثيرات الطقس الفضائي. على الرغم من أنها ليست بقوة “حدث كارينغتون” الذي وقع في عام 1859، إلا أن العاصفة قدمت لمحة عن إمكانية حدوث اضطرابات واسعة النطاق في المستقبل. لذا، من المهم تطوير أنظمة تنبؤ آنية قادرة على التعامل مع هذه الاضطرابات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصحيح الأخطاء أثناء العواصف الشمسية.