الخصوصية في العصر الرقمي: قضية سيري وآبل

في العصر الرقمي الحديث، أصبحت الخصوصية من أهم القضايا التي تشغل الأفراد والشركات على حد سواء. في هذا السياق، تبرز قضية سيري وآبل كواحدة من الموضوعات الأكثر إثارة للجدل، حيث أُثيرت اتهامات حول استماع سيري للمحادثات الخاصة واستخدامها في استهداف الإعلانات.

خلفية القضية

بدأت القضية في يوليو 2019 عندما نشر الجارديان تقارير عن مُبلغ مجهول، كان يعمل كمقاول لشركة آبل، وادعى أن سيري تقوم بتسجيل المحادثات دون قصد. كانت هذه التسجيلات تشمل معلومات حساسة، مثل مناقشات حول الصفقات الجنسية وزيارات الأطباء.

على الرغم من تأكيدات آبل أن سيري يستمع فقط عندما تتم دعوته، أشارت التقارير إلى أن الضوضاء الخلفية، مثل صوت سحاب البنطلون، قد تفعل المساعد الصوتي عن غير قصد. تزامنت هذه التسجيلات مع معلومات عن موقع المستخدم وبيانات الاتصال.

استجابة آبل والإجراءات المتخذة

لم تكن آبل قد أبلغت المستخدمين صراحةً بأن البشر قد يستعرضون طلباتهم إلى سيري. بعد نشر تقرير الجارديان بأسبوع، أوقفت الشركة البرنامج مؤقتًا. وفي أغسطس 2019، قدمت آبل اعتذارًا علنيًا، ووعدت بجعل مراجعة البشر اختيارية وعدم الاحتفاظ بالتسجيلات الصوتية افتراضيًا.

على الرغم من ذلك، نفت آبل جميع الاتهامات في الدعوى القضائية، وهو إجراء شائع في تسويات الدعاوى الجماعية في المحاكم الأمريكية. في النهاية، وافقت آبل على تسوية مالية بقيمة 95 مليون دولار.

التكنولوجيا والخصوصية: نمط متكرر

قضية آبل ليست الوحيدة في هذا السياق. في عام 2018، واجهت أمازون انتقادات عندما سجلت أليكسا محادثة خاصة وأرسلتها بشكل غير مقصود إلى أحد الموظفين. كانت هذه الحوادث جزءًا من نمط أوسع يشمل شركات مثل جوجل وسامسونج، حيث تم اتهامهم بجمع بيانات المستخدمين بطرق غير معلنة.

تشير هذه القضايا إلى الحاجة المتزايدة لتدريب المساعدات الصوتية على فهم الأوامر بشكل صحيح، وهو ما يتطلب تدخلاً بشريًا، مما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية.

الرأي العام والمخاوف الثقافية

وفقًا لاستطلاعات الرأي، يعتقد أكثر من 60% من الأمريكيين أن هواتفهم تستمع إليهم لجمع البيانات للإعلانات المستهدفة. هذه المخاوف ليست بلا أساس، حيث أن الشكوك حول جمع البيانات بطرق غير أخلاقية تتزايد بين الناس.

في المقابل، يشير علماء النفس إلى أن هذه المخاوف قد تكون نتيجة تحيز تأكيدي، حيث يركز الأفراد على الحالات التي تتوافق مع توقعاتهم ويتجاهلون الحالات الأخرى.

الخاتمة

تسلط قضية سيري وآبل الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه الخصوصية في العصر الرقمي. على الرغم من عدم اعتراف آبل بالذنب، إلا أن التسوية المالية تشير إلى جدية المخاوف المتعلقة بالخصوصية. ومع التقدم التكنولوجي المستمر، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للشركات التوفيق بين تحسين خدماتها وحماية خصوصية المستخدمين؟

Scroll to Top