يعتبر العلماء الفيزيائيون تجارب الفكر وسيلة لفهم الظواهر التي يصعب أو يستحيل تنفيذها في العالم الحقيقي. ومن أبرز هذه التجارب تجربة قطة شرودنغر التي تُستخدم لتوضيح تعقيدات ميكانيكا الكم. وفي إطار مشابه، أجريت حديثًا تجربة فكرية تتعلق بتغير المناخ، حيث تم التساؤل: متى كان بإمكان العلماء اكتشاف تأثير زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مناخ الأرض لو توفرت لديهم التكنولوجيا الحديثة؟
البداية: استخدام النماذج الحاسوبية
اعتمدت التجربة الفكرية على محاكاة تاريخية لتغير المناخ باستخدام تسعة نماذج حاسوبية متطورة. افترضنا أن العلماء في عام 1860 كانوا يمتلكون التكنولوجيا اللازمة لمراقبة التغيرات في درجة الحرارة العالمية في كل من التروبوسفير والستراتوسفير. وفي الواقع، لم تبدأ مراقبة الغلاف الجوي عالميًا إلا في الأربعينيات باستخدام بالونات الطقس، بينما بدأت مراقبة درجة حرارة الغلاف الجوي بالأقمار الصناعية منذ أواخر السبعينيات.
افترضت النماذج أيضًا دقة تقديرات التغيرات البشرية في الغازات الدفيئة والتأثيرات الطبيعية مثل النشاط البركاني والطاقة الشمسية. وتم التأكد من واقعية استجابة النماذج للعوامل البشرية والطبيعية عبر مقارنة التغيرات المناخية المحاكاة مع الملاحظات الفعلية.
التأثير البشري على المناخ
في عام 1967، نشر الباحثان سوكيرو مانابي وريتشارد ويذرالد ورقة بحثية توقعت أن زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون ستؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في التروبوسفير وانخفاضها في الستراتوسفير. أثبتت السجلات اللاحقة لدرجات الحرارة بواسطة البالونات والأقمار الصناعية صحة هذه التوقعات، حيث أظهرت بصمات بشرية واضحة على درجات حرارة الغلاف الجوي تختلف عن الأنماط الطبيعية مثل التغيرات الشمسية والبركانية.
متى كان بالإمكان اكتشاف التغييرات؟
بين عامي 1860 و1899، كانت زيادة ثاني أكسيد الكربون طفيفة ولكنها كافية لإحداث تبريد ملحوظ في الستراتوسفير. وفقًا للتجربة، كان بالإمكان اكتشاف هذا التأثير البشري منذ عام 1885. ومع ذلك، لم يظهر تأثير الاحترار في التروبوسفير إلا في النصف الثاني من القرن العشرين بسبب التشابه الأكبر بين الأنماط البشرية والطبيعية في هذه الطبقة.
تأثير المعرفة المبكرة
يبقى السؤال: هل كان من الممكن أن تؤدي المعرفة المبكرة بتأثيرات التغير المناخي إلى اتخاذ مسار مختلف في استخدام الطاقة وتفادي الآثار السلبية؟ يعتمد هذا على عوامل فلسفية واجتماعية وتاريخية. ومع ذلك، يمكن القول إنه لو كانت هناك إدراك مبكر لخطورة التغير المناخي، لربما كانت هناك جهود سابقة للحد من الانبعاثات الغازية.
الخاتمة
توضح هذه التجربة الفكرية أهمية المراقبة طويلة الأمد لمناخ الأرض ودور الوكالات مثل NOAA وNASA في توفير البيانات اللازمة لفهم التغيرات المناخية. في ظل تفكيك التمويل للأبحاث المناخية، يجب أن ندرك أن إيقاف هذه الأعمال سيسبب فجوة في البيانات ستطول. إن وقف العمل المناخي هو تجربة في الجهل المتعمد، ولن تؤدي إلا إلى نتائج سيئة.