تعد الخياطة فنًا قديمًا يعود إلى آلاف السنين، حيث يمكن تحويل خيط من الألياف إلى أي شيء من وشاح رقيق إلى درع مضاد للرصاص. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في التنبؤ بالهيكل النهائي للأنسجة المحبوكة، نظرًا لأن الغرز المختلفة تميل إلى الالتفاف بطرق مختلفة. لكن الآن، يوفر نموذج رياضي جديد نشر في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة وسيلة لفهم هذه التحولات المعقدة.
التحديات الفيزيائية في عالم الخياطة
تسعى الفيزياء دائمًا إلى اكتشاف القوانين التي تحكم سلوك المواد، وهذا يتضمن فهم كيفية تشكل الأنسجة المحبوكة. توضح لورين نيو، الفيزيائية من جامعة دريكسل، أن إيجاد قواعد محددة يسمح بالتنبؤ بما ستصبح عليه الأنسجة في النهاية. هذه القدرة على التنبؤ تعني أن الحرفيين والمصنعين يمكنهم الآن تجربة تصميمات جديدة بثقة أكبر.
تعاونت لورين نيو مع الفيزيائي راندال دي كاميين من جامعة بنسلفانيا وجنيف ديو، مديرة مركز الأقمشة الوظيفية بجامعة دريكسل، للبحث عن نموذج رياضي يمكنه التنبؤ بشكل موثوق بأشكال الأنسجة المحبوكة المعقدة بناءً على نمط الغرز المستخدم.
النماذج الرياضية ودورها في التنبؤ
بدأ الباحثون بتجربة أنماط خياطة معقدة تشمل انحناءات وقمم وأنسجة تتشكل في شكل وجه، ومن ثم قاموا بتحليل الهندسة العكسية لتلك الأنسجة المحبوكة. أدركوا أنهم لا يحتاجون إلى حساب شكل وتمدد كل غرزة على حدة، حيث أن ذلك سيتطلب قوة حوسبية كبيرة، بل كانوا بحاجة فقط إلى معرفة كيف يغير كل نوع من الغرز شكل النسيج.
النموذج الجديد يدمج معلومات حول كيفية إنتاج الغرز للتوتر في بناء رياضي معقد يعرف بمعادلة فوبل-فون كارمان. هذه المعادلات تصف كيفية تصرف المواد الرقيقة والمرنة تحت تأثير القوى الداخلية والخارجية، مما يتيح إمكانية تجربة تصميمات الأنسجة قبل خياطتها فعليًا.
التطبيقات المستقبلية والابتكارات
يرى الباحثون أن هذه النماذج يمكن أن تقود إلى تطوير أنسجة متقدمة ومخصصة لأشياء مثل الأجهزة الطبية القابلة للارتداء. يعتبر كوسيم دو باسكييه من جامعة ستانفورد، الذي لم يشارك في الدراسة، أن الخياطة هي وسيلة قابلة للتعديل والتوسع ورخيصة للأجهزة القابلة للارتداء.
يأمل دو باسكييه أن يرى كيف تتماشى توقعات النموذج مع الأقمشة في العالم الحقيقي، وما إذا كانت العوامل المتغيرة مثل سمك النسيج ونوع الخيط تؤثر على تلك المقارنة.
الخاتمة
حتى بدون تحسينات إضافية، يوفر النموذج نقطة انطلاق عملية لتجربة تصميمات جديدة. تقول ديو: “لا يمكنك الاستفادة من إمكانيات الخياطة إذا كنت لا تزال تعتمد على التجربة والخطأ. نحن نبدأ في القدرة على التجربة في البيئة الافتراضية.” هذا التحول في منهجية تصميم الأنسجة يمكن أن يفتح الباب أمام ابتكارات جديدة في صناعة الأنسجة، مما يجعل من الممكن تحقيق تصميمات أكثر تعقيدًا ودقة في المستقبل.