الكشف عن جسيمات المادة المظلمة: تقدم تكنولوجي غير مسبوق

لطالما كانت المادة المظلمة واحدة من أكثر الألغاز المحيرة في الفيزياء الفلكية الحديثة. رغم العديد من المحاولات لكشفها، إلا أن الجهود لم تحقق النجاح المطلوب. تعتمد معظم التجارب الحالية على جسيمات مادة مظلمة تتداخل كتلتها مع الجسيمات الأولية المعروفة. لكن بفضل تكنولوجيا الكشف المتطورة، يخطو العلماء خطوة جديدة نحو فهم أعمق لهذه المادة الغامضة.

تطورات تقنية في الكشف عن المادة المظلمة

نجح فريق دولي يقوده باحثون من جامعة زيورخ في اختبار وجود جسيمات المادة المظلمة عبر نطاق واسع من الكتل دون الميجا إلكترون فولت. باستخدام كاشف فوتونات محسّن يعتمد على السلك النانوي الفائق التوصيل، تمكن العلماء من الوصول إلى عتبة حساسية تبلغ نحو عشر كتلة الإلكترون، مما يجعل من المرجح جداً عدم وجود جسيمات المادة المظلمة فوق هذه الكتلة.

هذا الاختبار يعد الأول من نوعه الذي يمكن من البحث عن جسيمات المادة المظلمة في مثل هذا النطاق المنخفض للكتلة، وذلك بفضل تقنية الكشف الحديثة التي تم اعتمادها. وفقاً للباحثة لورا بوديس، هذه القفزة التقنية تعزز من قدرتنا على فهم المادة المظلمة بطرق لم تكن ممكنة من قبل.

آلية عمل الكاشف الفائق التوصيل

في محاولة سابقة عام 2022، اختبر الباحثون أول جهاز كاشف يعتمد على السلك النانوي الفائق التوصيل، والذي يتمتع بحساسية عالية للفوتونات المنخفضة الطاقة. عندما يصطدم فوتون بالسلك النانوي، يسخنه قليلاً مما يؤدي إلى فقدانه الفورية لتوصيله الفائق. يصبح السلك لفترة وجيزة موصلاً عادياً، ويمكن قياس الزيادة الناتجة في المقاومة الكهربائية.

في التجربة الأخيرة، قام العلماء بتحسين الكاشف ليكون أكثر كفاءة في اكتشاف المادة المظلمة. تم تزويده بأسلاك فائقة التوصيل بدلاً من الأسلاك النانوية لزيادة مساحة التقاطع، كما أُعطيت الهندسة السطحية الرقيقة لجعله أكثر حساسية للتغيرات في الاتجاه.

التحديات والآفاق المستقبلية

يُعتقد أن الأرض تمر عبر “ريح” من جسيمات المادة المظلمة، وبالتالي يتغير اتجاه الجسيمات على مدار السنة حسب السرعة النسبية. جهاز يمكنه التقاط هذه التغيرات الاتجاهية قد يساعد في تصفية الأحداث غير المرتبطة بالمادة المظلمة.

وفقاً للعالم تيتوس نيوبرت، فإن التحسينات التكنولوجية المستقبلية لهذا الكاشف يمكن أن تمكننا من اكتشاف إشارات من جسيمات المادة المظلمة ذات الكتل الأصغر. كما يخطط الفريق لنشر النظام تحت الأرض ليكون محمياً بشكل أفضل من مصادر الإشعاع الأخرى.

الخاتمة

تعد هذه التطورات في تكنولوجيا الكشف عن المادة المظلمة خطوة كبيرة نحو حل أحد أعظم ألغاز الفيزياء الحديثة. رغم أن التجارب الحالية لم تنجح بعد في الكشف المباشر عن المادة المظلمة، إلا أن التقدم المحرز يفتح الباب أمام فهم أعمق للكون. من خلال تحسين الكاشف وتطبيقه في بيئات محمية، يأمل العلماء في تحقيق اختراقات جديدة في هذا المجال.

Scroll to Top