تعد فرانسيس جليسنر لي واحدة من الشخصيات الفريدة التي أثرت بشكل كبير في تطوير مجال علم الأدلة الجنائية. رغم أنها لم تحصل على تعليم رسمي في هذا المجال، إلا أن شغفها بالطب والجريمة قادها إلى تأسيس أسس هذا العلم المثير.
البدايات والتحديات
وُلدت فرانسيس جليسنر لي في أواخر القرن التاسع عشر لعائلة ثرية في شيكاغو. وعلى الرغم من تعليمها الخاص الجيد، إلا أنها لم تستطع متابعة شغفها بالطب بسبب القيود الاجتماعية المفروضة على النساء في ذلك الوقت. تزوجت في سن التاسعة عشرة، لكن زواجها لم يكن سعيدًا، مما جعلها تشعر بالإحباط لفترة طويلة.
لم يكن من المتوقع أن تحقق فرانسيس نجاحًا كبيرًا في مجال العلوم، لكنها تحدت هذه التوقعات واستثمرت في تطوير علم الأدلة الجنائية. بعد طلاقها، وجدت نفسها تبحث عن هدف جديد في حياتها، ووجدته في السعي لتحسين التحقيق في أسباب الوفيات.
التأثير الكبير لجورج ماجراس
كان جورج ماجراس، الصديق القديم لعائلة جليسنر، له تأثير كبير على فرانسيس. بصفته أول طبيب شرعي في الولايات المتحدة، قدم ماجراس تقنيات جديدة في التحقيق الجنائي بعد دراسته في أوروبا. هذه المعرفة ألهمت فرانسيس ودفعتها للمشاركة في تطوير هذا المجال.
التقت فرانسيس بجورج مجددًا في مستشفى ماساتشوستس العام حيث كانا يتعافيان من أمراض مختلفة. خلال هذه الفترة، شارك ماجراس خبراته وقصصه مع فرانسيس، مما أثار اهتمامها العميق بالطب الشرعي.
دور فرانسيس في تأسيس علم الأدلة الجنائية
بفضل شغفها وإرادتها القوية، بدأت فرانسيس في تأسيس قسم الطب القانوني في جامعة هارفارد. استثمرت جزءًا كبيرًا من ثروتها الشخصية لإقامة برامج تدريبية تهدف إلى تحسين مستوى التحقيق في الوفيات.
كما صنعت فرانسيس نماذج مصغرة لمواقع الجرائم تُعرف باسم “Nutshell Studies of Unexplained Death”. استخدمت هذه النماذج لتدريب المحققين على ملاحظة التفاصيل الدقيقة في مسرح الجريمة، مما ساعد في تحسين دقة التحقيقات.
التحديات والاعتراف المتأخر
رغم إسهاماتها الكبيرة، واجهت فرانسيس تحديات عديدة بسبب كونها امرأة في مجال يهيمن عليه الرجال. كتبت في إحدى الرسائل أنها تعرضت للكثير من الإحباطات بسبب التمييز ضدها. ومع ذلك، لم تتوقف جهودها في دعم علم الأدلة الجنائية حتى وفاتها.
بعد وفاة فرانسيس، أُغلق قسم الطب القانوني في جامعة هارفارد، لكن إرثها استمر بفضل الجهود التي بذلتها لتأسيس هذا المجال. اليوم، يُعتبر علم الأدلة الجنائية أحد المجالات الحيوية في التحقيقات الجنائية.
الخاتمة
فرانسيس جليسنر لي هي مثال حي على قدرة الأفراد على تحقيق تغيير جذري في مجالات العلم، حتى في مواجهة التحديات المجتمعية. بجهودها وشغفها، ساهمت في تأسيس علم الأدلة الجنائية وتدريب المحققين على استخدام الأساليب العلمية في التحقيقات. رغم التحديات التي واجهتها، فإن إرثها يستمر في التأثير على التحقيقات الجنائية حتى يومنا هذا.