في إطار السعي المستمر لتطوير علاجات أكثر فعالية وأقل ضررًا لمرض السرطان، توصل علماء في جامعة فورتسبورغ الألمانية إلى اكتشاف علمي بالغ الأهمية يسلط الضوء على نقطة ضعف جزيئية يمكن استهدافها بدقة داخل الخلايا السرطانية. يتعلق هذا الاكتشاف بإنزيمين يلعبان دورًا محوريًا في العمليات الخلوية، وهما USP28 وUSP25. فهم هذا التداخل الجزيئي بينهما قد يكون مفتاحًا لصنع أدوية جديدة تتسم بدقة الاستهداف، وبالتالي تقلل من الآثار الجانبية التي تعيق فعالية العلاجات الحالية.
دور اليبيكويتين والإنزيمات المرتبطة به
اليبيكويتين هو بروتين صغير يقوم بوظيفة تنظيمية حيوية داخل الخلية، حيث يرتبط ببروتينات أخرى ويوجهها نحو التدهور والتفكيك، مما يحافظ على التوازن داخل الخلية ويمنع تراكم البروتينات التالفة أو غير الضرورية. غير أن بعض الإنزيمات، مثل USP28، تقوم بعكس هذه العملية، فبدلاً من تفكيك البروتينات، تساعد على استقرارها، مما يعزز من نمو الخلايا وانقسامها. هنا تكمن المشكلة: عندما يتعلق الأمر بالخلايا السرطانية، يصبح نشاط USP28 محفزًا مباشرًا لنمو الورم.
بناءً على ذلك، طورت الأبحاث مثبطات تستهدف USP28 لتعطيل هذه الآلية، ومنع الخلايا السرطانية من مواصلة الانقسام. ورغم النجاح النظري لهذا النهج، برزت مشكلة جديدة: هذه المثبطات لا تميز بدقة بين USP28 وUSP25 – إنزيم شبيه له دور مهم في تنظيم جهاز المناعة – مما يؤدي إلى ظهور آثار جانبية خطيرة مثل الاضطرابات الهضمية، وتلف الأعصاب، وحتى الأمراض المناعية الذاتية.
التحدي: تشابه الإنزيمين ومخاطر الالتباس
اكتشف فريق البحث بقيادة الدكتورة كارولين كيسكر أن USP28 وUSP25 يشتركان في درجة عالية من التشابه البنيوي، لا سيما في مناطق الارتباط التي تستهدفها المثبطات. هذا يعني أن الأدوية لا تستطيع التمييز بدقة بين الإنزيمين، فترتبط بهما معًا وتسبب تأثيرات غير مرغوب فيها على جهاز المناعة. باستخدام تقنية علم البلورات بالأشعة السينية، قام الفريق بدراسة ثلاثة مثبطات مستخدمة حاليًا هي: AZ1 وVismodegib وFT206، وحددوا بدقة مواقع الارتباط داخل USP28، ثم قارنوا هذه النتائج بـ USP25 ووجدوا أن مواقع الارتباط متطابقة تقريبًا.
الآفاق المستقبلية: نحو مثبطات أكثر دقة
يمثل هذا الاكتشاف خطوة حاسمة في تطوير جيل جديد من مثبطات السرطان التي يمكنها استهداف USP28 دون المساس بوظائف USP25، وبالتالي تقليل الآثار الجانبية وتحسين أمان العلاج. تقول كيسكر: “بفضل بيانات علم الأحياء البنيوي، يمكننا الآن تعديل المثبطات بحيث ترتبط فقط بـ USP28 أو فقط بـ USP25، أو نبحث عن نقاط ارتباط أخرى أقل تشابهًا مما يمنح الدواء دقة أعلى”.
الهدف المقبل للفريق البحثي في فورتسبورغ هو تطوير هذه المثبطات الدقيقة وتصميم جزيئات دوائية جديدة قادرة على التمييز بين الإنزيمين، وهو ما يمكن أن يغير قواعد اللعبة في علاج العديد من أنواع السرطان.
الخاتمة
يوضح هذا البحث أهمية الغوص في أعماق البنية الجزيئية للإنزيمات، حيث يمكن لتشابه بسيط أن يكون عائقًا أمام تطوير أدوية فعالة وآمنة. إن فهم الفروقات الدقيقة بين USP28 وUSP25 يفتح المجال أمام تطوير علاجات أكثر استهدافًا، ما قد يساعد في تقديم أدوية أقل سمّية وأكثر فاعلية لمرضى السرطان. قد يكون هذا الاكتشاف هو الحلقة المفقودة التي تقودنا إلى جيل جديد من الأدوية الذكية التي تهاجم السرطان دون الإضرار بجهاز المناعة أو التسبب في مضاعفات غير مرغوبة.