في ظل تزايد القلق العالمي حول المواد الكيميائية السامة المعروفة باسم المواد البيرفلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل (PFAS)، بدأ العلماء في البحث عن طرق للتخلص من تأثيراتها الضارة على الصحة والبيئة. هذه المواد، التي يمكن أن تستغرق مئات السنين لتتحلل، تم اكتشافها في دماء وأنسجة البشر. ومع ذلك، تقدم دراسة حديثة بصيص أمل باستخدام بكتيريا الأمعاء البشرية كوسيلة جديدة للتعامل مع هذه المشكلة.
المواد الكيميائية الأبدية: خطر يهدد الصحة
تعتبر PFAS من المواد الكيميائية التي تمثل تحديًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا. فهي تستمر في البيئة لفترات طويلة جدًا مما يجعلها تُعرف بالمواد الكيميائية الأبدية. تم ربط هذه المواد بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، واضطرابات الإنجاب، وأمراض الغدة الدرقية، وضعف الجهاز المناعي.
تتواجد PFAS في العديد من المنتجات اليومية مثل الأواني غير اللاصقة والمعاطف المقاومة للماء وحتى في مياه الشرب. هذا الانتشار الواسع يزيد من خطر تعرض البشر لهذه المواد بشكل مباشر أو غير مباشر.
دراسة جديدة: بكتيريا الأمعاء كحل محتمل
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Nature Microbiology أن هناك أمل في استخدام بكتيريا الأمعاء البشرية للتخلص من PFAS. قام الباحثون باختبار كيفية تفاعل هذه البكتيريا مع المواد الكيميائية ووجدوا أن تسعة سلالات منها تمكنت من تجميع هذه المواد بفعالية كبيرة.
تعمل هذه البكتيريا على امتصاص PFAS وتحويلها إلى كتل كثيفة، مما قد يؤدي إلى إخراجها من الجسم عبر الفضلات. وهذا يفتح المجال أمام إمكانية استخدام البروبيوتيك لزيادة فعالية هذه البكتيريا في الجسم البشري.
التجارب المخبرية: نتائج مبشرة
في التجارب المخبرية، أظهرت البكتيريا القدرة على امتصاص ما بين 25% إلى 74% من المواد الكيميائية خلال 24 ساعة فقط. وأوضح الباحثون أن هذه النتائج قد تكون مؤشراً على إمكانية استخدام هذه البكتيريا في تنظيف الجسم من PFAS.
تم إجراء تجارب على الفئران التي لا تحتوي على ميكروبيوم خاص بها، وبعد تعريضها للمواد الكيميائية، لاحظ الباحثون أن الفئران التي تحتوي على بكتيريا قادرة على امتصاص PFAS قامت بإخراج كميات أكبر من هذه المواد مقارنة بتلك التي لم تُعالج بالبكتيريا.
التحديات المستقبلية والآفاق
على الرغم من النتائج الواعدة، فإن تطبيق هذه النتائج على البشر يتطلب مزيدًا من الأبحاث. يخطط الفريق لإجراء تجارب سريرية لاختبار فعالية البروبيوتيك في تقليل مستويات PFAS في الجسم البشري. لكن تتطلب هذه التجارب مراعاة عدد من العوامل المتغيرة التي يمكن أن تؤثر على النتائج.
يهدف الباحثون أيضًا إلى دراسة مستويات البكتيريا الطبيعية في البشر ومقارنتها بتركيزات PFAS في أجسامهم لفهم العلاقة بشكل أفضل.
الخاتمة
تشكل الدراسة الجديدة خطوة هامة نحو فهم كيفية التعامل مع المواد الكيميائية الأبدية في الجسم البشري. في حين أن تعزيز البكتيريا الطبيعية لإدارة امتصاص PFAS يبدو واعدًا، فإن الحل الأمثل يبقى في تقليل التعرض لهذه المواد من البداية. ستظل الأبحاث المستقبلية ضرورية للتأكد من فعالية هذا النهج وآثاره على الصحة البشرية.