تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لدى الأطفال يمثل تحديًا كبيرًا بسبب صعوبة التعبير عن المشاعر لدى الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب. ومع التطور التكنولوجي، بات الذكاء الاصطناعي أداة واعدة في تحسين دقة التشخيص وحماية خصوصية المرضى.
مقدمة عن اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال
اضطراب ما بعد الصدمة هو حالة نفسية معقدة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الأطفال. غالبًا ما ينتج عن التعرض لأحداث صادمة مثل الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو حتى الحالات العائلية المعقدة. الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، مما يجعل التشخيص أمرًا صعبًا.
تقليديًا، يعتمد التشخيص على مقابلات سريرية واستبيانات ذاتية، ولكن هذه الأساليب قد تكون محدودة بسبب نقص المهارات اللغوية أو السلوكيات التجنبية لدى الأطفال. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تقديم حلول مبتكرة.
دور الذكاء الاصطناعي في التشخيص
في جامعة جنوب فلوريدا، يعمل الباحثون على تطوير نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل حركات الوجه للأطفال خلال جلسات التقييم. يقود هذه الجهود أليسون سالوم وشون كانافان، حيث يركز فريقهم على تطوير نظام يحافظ على الخصوصية ويساعد في الكشف عن أنماط تعبيرية خاصة باضطراب PTSD.
النظام الجديد لا يستخدم الفيديو الخام، بل يعتمد على تتبع الحركات غير المحددة للوجه مثل وضعية الرأس ونظرات العين وحركة الفم. هذه الطريقة تحافظ على خصوصية الطفل بينما تقدم بيانات موضوعية يمكن استخدامها في التشخيص.
نتائج الدراسة وأهميتها
أظهرت الدراسة التي نشرت في “Pattern Recognition Letters” أن هناك أنماطًا مميزة في تعبيرات الوجه لدى الأطفال المصابين باضطراب PTSD. تم جمع البيانات من 18 جلسة مع الأطفال، حيث أظهرت النتائج أن تعبيرات الوجه خلال الجلسات التي يقودها الأخصائيون كانت أكثر وضوحًا من تلك التي تحدث مع الوالدين.
هذه النتائج تدعم الأبحاث النفسية التي تشير إلى أن الأطفال قد يكونون أكثر تعبيرًا عاطفيًا مع الأطباء النفسيين، وقد يتجنبون مشاركة الضيق مع الوالدين بسبب الخجل أو القدرات المعرفية.
تحديات وفرص مستقبلية
على الرغم من أن الدراسة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن الإمكانيات المستقبلية للتطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال تبدو واعدة. يأمل الباحثون في توسيع الدراسة لتشمل جوانب أخرى مثل التحيزات المحتملة بناءً على الجنس أو الثقافة أو العمر.
كما أن الأبحاث الحالية تشمل حالات إكلينيكية معقدة، بما في ذلك الاضطرابات المتزامنة مثل الاكتئاب، اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو القلق، مما يعزز دقة النظام وقدرته على التعامل مع الحالات الواقعية.
الخاتمة
إذا ما تم التحقق من فعالية هذا النظام في تجارب أكبر، فإن نهج جامعة جنوب فلوريدا قد يعيد تعريف كيفية تشخيص وتتبع اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال. باستخدام أدوات يومية مثل الفيديو والذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح الرعاية الصحية النفسية أكثر دقة وفعالية في المستقبل. هذا النهج لا يهدف إلى استبدال الأطباء، بل إلى تعزيز أدواتهم وتقديم رؤى موضوعية تساعد في تحسين نتائج العلاج.