نموذج جديد لفهم كيفية توجيه الدماغ البشري للانتباه في البيئات الديناميكية

في عالم مليء بالمنبهات المختلفة، يعتبر موضوع توزيع الانتباه من أبرز التحديات التي تواجه العقل البشري. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الدماغ البشري يمتلك نظاماً متطوراً يمكنه من تخصيص الموارد الإدراكية بشكل فعال، للتركيز على المعلومات ذات الصلة بالأهداف في البيئات الديناميكية والمتغيرة.

نموذج الحساب التكيفي

طور الباحثون في جامعة ييل نظاماً يعرف بـ”الحساب التكيفي”، وهو نموذج يهدف إلى تخصيص الجهود الإدراكية بناءً على الأولويات والأهداف. يعمل هذا النظام على إعطاء الأولوية للتفاصيل البصرية الهامة، مثل إشارات المرور في مقابل السيارات اللامعة، وفقاً لأهمية المهمة.

يتيح هذا النموذج للدماغ تخصيص موارده الإدراكية بطريقة ديناميكية وذكية، مما يساعد على تجاهل المشتتات والتركيز على المهام المهمة. يتم ذلك من خلال آلية توازن بين الحسابات الإدراكية والنتائج المترتبة عليها، مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة الإدراكية في الوقت الفعلي.

التجارب العلمية والدراسات

أجريت تجارب باستخدام نموذج الحساب التكيفي على مجموعة من المشاركين الذين طُلب منهم تتبع عدة كائنات متحركة على شاشة الحاسوب. أظهرت النتائج أن هذا النموذج يمكنه التنبؤ بدقة بالمكان الذي سيوجه فيه الأشخاص انتباههم ومدى صعوبة المهمة بالنسبة لهم.

تضمنت إحدى التجارب عرض ثمانية دوائر متطابقة اللون على الشاشة، حيث تم تسليط الضوء على أربع منها وطلب من المشاركين تتبعها، بينما كانت جميع الدوائر تتحرك بشكل عشوائي. أظهرت النتائج أن المشاركين كانوا أكثر قدرة على التركيز على الدوائر المسلطة الضوء عليها، مما يؤكد فعالية النموذج في توجيه الانتباه.

الذكاء الاصطناعي البشري

تعتبر هذه الأبحاث خطوة مهمة نحو تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تشبه البشر في قدرتها على تجاهل المنبهات غير ذات الصلة والتركيز على المهام المهمة. يعتقد الباحثون أن هذه التقنية يمكن أن تؤدي إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التفاعل بمرونة وأمان مع العالم المحيط بها.

يمثل هذا النهج تحولاً في كيفية تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى إلى محاكاة القدرات البشرية في توجيه الانتباه بدلاً من الاعتماد على خوارزميات محددة مسبقاً.

تطبيقات مستقبلية

يمكن أن يكون لنموذج الحساب التكيفي تطبيقات واسعة في مجالات متعددة مثل السيارات ذاتية القيادة، حيث يمكنه تحسين قدرة الأنظمة على التركيز على المسارات والابتعاد عن المشتتات غير المهمة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد هذا النموذج في تطوير تقنيات تعليمية وتدريبية تعتمد على تخصيص الانتباه بشكل فعال، مما يزيد من فعالية التعلم ويقلل من المشتتات.

الخاتمة

يمثل نموذج الحساب التكيفي خطوة كبيرة نحو فهم أعمق لكيفية عمل العقل البشري في توجيه الانتباه في البيئات الديناميكية. من خلال تخصيص الموارد الإدراكية بشكل ذكي، يمكن للدماغ تحسين كفاءته في التركيز على المهام المهمة وتجاهل المشتتات، مما يؤدي إلى تحسين الأداء الإدراكي بشكل عام. هذه الأبحاث تفتح الأبواب أمام تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً وفاعلية، قادرة على محاكاة القدرات البشرية في التركيز والانتباه.

Scroll to Top