لطالما سعى العلماء لفهم كيفية استرجاع الدماغ للكلمات أثناء الكلام. وقد نجح باحثون من جامعة نيويورك في إلقاء الضوء على هذا اللغز من خلال دراسة جديدة تكشف عن شبكة في القشرة الجبهية الجانبية اليسرى تلعب دوراً حاسماً في التسمية. هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة تقارير الخلية، تقدم رؤى جديدة حول البنية العصبية للغة، مما يفتح آفاقاً جديدة لكل من علم الأعصاب والتدخلات السريرية.
خريطة شبكة تسمية الدماغ
يُعتبر استرجاع الكلمات جانبًا أساسيًا من جوانب التواصل البشري، حيث يسمح لنا بربط المفاهيم باللغة. وعلى الرغم من عقود من البحث، لا تزال الديناميكيات العصبية الدقيقة التي تكمن وراء هذه العملية – خاصة في السياقات السمعية الطبيعية – غير مفهومة بالكامل.
قام باحثون من جامعة نيويورك، بقيادة طالب الدراسات العليا في الهندسة الطبية الحيوية لياو يو والأستاذ المشارك في الهندسة الطبية الحيوية في جامعة تاندون والطب العصبي في كلية جروسمان بجامعة نيويورك عديان فلينكر، بتسجيل بيانات كهربية القشرة من 48 مريضًا جراحيًا لفحص التنظيم المكاني والزماني لمعالجة اللغة في الدماغ. باستخدام تقنيات التجميع غير المشرف، حدد الباحثون شبكتين متميزتين لكن متداخلتين مسؤولتين عن استرجاع الكلمات.
تم العثور على الشبكة الأولى، شبكة معالجة الدلالات، في التلفيف الجبهي الأوسط والسفلي. كانت هذه الشبكة منخرطة في دمج المعنى وكانت حساسة لمدى مفاجأة الكلمة داخل جملة معينة.
التسمية السمعية والقشرة الجبهية
تبني الدراسة على عقود من العمل في علم الأعصاب اللغوي. أشارت الأبحاث السابقة إلى أن مناطق مختلفة من الدماغ كانت مسؤولة عن استرجاع الكلمات بناءً على ما إذا كانت تُرى أو تُسمع. ومع ذلك، اعتمدت الدراسات السابقة على طرق ذات دقة زمنية محدودة، مما ترك العديد من الأسئلة دون إجابة حول كيفية تفاعل هذه الشبكات في الوقت الفعلي.
من خلال الاستفادة من الدقة المكانية والزمانية العالية لبيانات كهربية القشرة، اكتشف الباحثون تدرجًا واضحًا بين المناطق البطنية والظهرية في القشرة الجبهية. وجدوا أن التخطيط النطقي كان متمركزًا بشكل بطني، في حين تم تمثيل معالجة الدلالات بشكل فريد في منطقة ظهرية من التلفيف الجبهي السفلي والمتوسط – وهي منطقة كانت في السابق غير مقدرة بشكل كافٍ لمعالجة اللغة.
تأثيرات على علم الأعصاب والطب
للدراسة تأثيرات بعيدة المدى، ليس فقط على علم الأعصاب النظري ولكن أيضًا على التطبيقات السريرية. تُعتبر عيوب اللغة، مثل فقدان القدرة على تسمية الأشياء، شائعة في حالات السكتة الدماغية وإصابات الدماغ والاضطرابات التنكسية العصبية. قد يؤدي فهم الشبكات العصبية الدقيقة المتورطة في استرجاع الكلمات إلى تحسين التشخيصات والعلاجات التأهيلية المستهدفة للمرضى الذين يعانون من هذه الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، توفر الدراسة خريطة طريق للأبحاث المستقبلية في واجهة الدماغ والحاسوب والأطراف الصناعية العصبية. من خلال فك تشفير الإشارات العصبية المرتبطة بالتسمية، يمكن للعلماء تطوير أجهزة مساعدة للأفراد الذين يعانون من ضعف في الكلام، مما يسمح لهم بالتواصل بشكل أكثر فعالية من خلال الاتصال المباشر بين الدماغ والحاسوب.
الخاتمة
من الواضح الآن أن قدرتنا على تسمية العالم من حولنا ليست مجرد فعل بسيط من الاسترجاع، ولكنها نتيجة لنظام عصبي معقد ودقيق – وهو نظام يتم الكشف عنه الآن بتفاصيل أكبر من أي وقت مضى. تواصل الدراسات مثل هذه توسيع فهمنا للبنية العصبية للغة، مما يفتح الطريق أمام تطبيقات جديدة في كل من الأبحاث والتدخلات السريرية.