يعتبر اضطراب طيف التوحد من الاضطرابات العصبية المعقدة التي تؤثر على التواصل والتفاعل الاجتماعي. رغم الفهم الواسع لتأثير الجينات على تطوير هذا الاضطراب، إلا أن السبب الدقيق وآلية حدوثه لا تزال غير واضحة. في هذا السياق، استخدم الباحثون نماذج بيولوجية لفهم الخلفية البيولوجية للأمراض، حيث تسمح نماذج الخلايا بدراسة كيفية تأثير التغيرات الجينية على شكل الخلية ووظيفتها، بينما تُظهر النماذج الحيوانية كيف تؤثر التغيرات في مكونات الخلايا على الصحة والسلوك.
أهمية النماذج البيولوجية في دراسة التوحد
تُعد النماذج البيولوجية أداة حيوية لفهم الآليات الجزيئية التي تؤدي إلى اضطراب طيف التوحد. وبالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الفئران والبشر، إلا أن العديد من الجينات المسببة للأمراض تتشابه بشكل كبير وتسبب حالات مشابهة في كلا النوعين. لكن أحد التحديات الكبيرة هو عدم وجود نموذج بيولوجي موحد لدراسة تأثير الطفرات المختلفة المرتبطة باضطراب طيف التوحد، مما يجعل من الصعب تحديد الآثار المشتركة أو ما هو خاص بأنواع معينة من الخلايا.
التقدم في البحث باستخدام تقنية CRISPR
قبل اثني عشر عامًا، بدأ فريق بقيادة تاكومي تاكومي، الخبير في دراسة نماذج الفئران للاضطراب، مشروعًا طموحًا لتغيير هذا الوضع. باستخدام تقنية CRISPR الفعّالة في تعديل الجينات، تمكن الفريق من إنتاج مجموعة من 63 خطًا خلويًا لأجنة الفئران ذات المتغيرات الجينية المرتبطة بقوة باضطراب طيف التوحد. أثبتت هذه الطريقة كفاءتها العالية في إنتاج متغيرات جينية لهذه الخلايا، مما أتاح للفريق دراسة تأثيرات هذه المتغيرات بشكل أعمق.
نتائج البحث وتطبيقاته الواسعة
تمكن فريق البحث من تطوير الخلايا إلى مجموعة واسعة من أنواع الخلايا والأنسجة، بل وتمكنوا من توليد فئران بالغة تحمل هذه التغيرات الجينية. أثبتت التحليلات أن هذه الخطوط الخلوية نماذج ملائمة لدراسة اضطراب طيف التوحد، كما أنها مكنت الباحثين من إجراء تحليلات بيانات واسعة النطاق لتحديد الجينات التي تكون نشطة بشكل غير طبيعي وفي أي أنواع من الخلايا يحدث ذلك.
أحد الاكتشافات المثيرة التي تم التوصل إليها هو أن الطفرات المسببة للتوحد غالبًا ما تؤدي إلى عدم قدرة الخلايا العصبية على التخلص من البروتينات المشوهة. هذا الاكتشاف يسلط الضوء على أهمية جودة التحكم في إنتاج البروتينات داخل الخلايا العصبية، والذي قد يكون عاملاً هامًا في حدوث العيوب العصبية.
تأثير البحث على المجتمع العلمي
يتوقع تاكومي أن يكون إنجاز فريقه موردًا لا يقدر بثمن للمجتمع العلمي الذي يدرس التوحد ويسعى لإيجاد أهداف دوائية جديدة. اللافت للنظر أن المتغيرات الجينية التي تم دراستها لها أيضًا ارتباط باضطرابات نفسية أخرى مثل الفصام واضطراب ثنائي القطب، مما يعني أن هذه المكتبة الجينية يمكن أن تكون مفيدة في دراسة حالات أخرى أيضاً.
الخاتمة
يمثل هذا البحث خطوة هامة نحو فهم أعمق لاضطراب طيف التوحد وتأثير الجينات عليه. من خلال استخدام تقنيات متقدمة مثل CRISPR، استطاع العلماء تطوير نماذج خلوية توفر رؤى جديدة حول الأسباب الجزيئية للاضطراب. من المتوقع أن تسهم هذه النتائج في تطوير استراتيجيات علاجية جديدة ليس فقط للتوحد، بل لعدة اضطرابات نفسية أخرى. يعكس هذا البحث التعاون العلمي والابتكار في مواجهة التحديات الصحية العالمية.