تُعتبر خطوات الطفل الأولى واحدة من أهم المراحل في تطور الطفل، فهي تمثل بداية جديدة في حياته وتفتح الأفق للعديد من الإنجازات المستقبلية. لطالما كان يُعتقد أن العوامل البيئية هي المحدد الأساسي لموعد بدء الطفل في المشي. لكن دراسة حديثة، نُشرت في مجلة Nature Human Behaviour، أظهرت أن للجينات دورًا كبيرًا في تحديد توقيت هذه الخطوة الأساسية، حيث تُفسر الجينات حوالي ربع الاختلافات في توقيت بدء الأطفال بالمشي.
دور الجينات في تطور المشي عند الأطفال
لطالما اعتقد الباحثون أن العوامل البيئية، مثل التغذية وظروف المعيشة، تلعب دورًا حاسمًا في توقيت بدء الأطفال في المشي. ومع ذلك، جاءت هذه الدراسة لتُظهر أن للجينات أيضًا تأثير كبير، حيث يمكن أن يكون لبعض الأطفال ميل وراثي لبداية المشي في وقت مبكر أو متأخر عن غيرهم.
وقد أوضحت الأستاذة أنجيليكا رونالد من جامعة ساري، أن معظم الأطفال يأخذون خطواتهم الأولى بين سن 8 أشهر و24 شهرًا، وهو مدى واسع يعكس التنوع الطبيعي في توقيت هذه المرحلة المهمة. وتؤكد الدراسة أن للوراثة تأثير مشابه لما نراه في صفات أخرى مثل الطول، مما يعني أن بعض الأطفال قد يبدأون المشي بشكل طبيعي في وقت مبكر أو متأخر بناءً على جيناتهم.
تأثيرات الجينات على التطور العقلي
لم يقتصر دور الجينات على توقيت بدء المشي فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى من التطور البشري. فقد وجدت الدراسة أن العوامل الجينية التي تؤثر على توقيت المشي تؤثر أيضًا على تطور الدماغ، بما في ذلك كمية الطيات والتموجات في السطح الخارجي للدماغ المعروف بالقشرة الدماغية.
ومن المثير للاهتمام أن الدراسة ربطت بين تأخير المشي ضمن النطاق الطبيعي وانخفاض احتمالية الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، فضلاً عن ارتباطه بجينات تؤثر على مستوى التحصيل التعليمي العالي.
التعاون الدولي وأهمية النتائج
قاد العلماء في المملكة المتحدة هذه الدراسة من خلال تعاون واسع مع علماء من هولندا والنرويج، وبتمويل من مؤسسات دولية بما في ذلك مبادرة سيمونز لأبحاث التوحد. ويعكس هذا التعاون أهمية الدراسة وأبعادها العلمية التي تمتد لتشمل فهمًا أعمق للجينات وتأثيراتها على تطور الأطفال.
تأمل الأستاذة رونالد أن تُساهم هذه النتائج الجديدة في تعزيز الفهم الأساسي لأسباب المشي وأن تُستخدم لدعم الأطفال الذين يعانون من اضطرابات الحركة وصعوبات التعلم. وفي الوقت ذاته، تُطمئن الدراسة الآباء بأن بداية المشي المتأخرة نسبيًا لا تشير بالضرورة إلى مشكلة، وتُشجعهم على استشارة الطبيب عند القلق.
الخاتمة
تُظهر الدراسة الحديثة أن الجينات تلعب دورًا محوريًا في تحديد توقيت بدء الأطفال في المشي، وهو اكتشاف يفتح الباب لفهم أعمق لتأثير الجينات على مراحل التطور المبكرة. إن هذا الفهم قد يُساهم في تطوير استراتيجيات جديدة لدعم الأطفال الذين يواجهون تحديات في النمو الحركي والعقلي. ومع استمرار الأبحاث، يمكن أن تُشكل هذه النتائج نقطة انطلاق مهمة نحو تطبيقات عملية في مجالات الصحة والتعليم.