يعتبر الضوء جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث يغمر الكوكب بالطاقة اللازمة لدعم النظم البيئية المختلفة. لكن العلم يكشف عن جوانب جديدة للضوء تتجاوز مجاله التقليدي، منها ما يتعلق بالضوء الذي تولده الأنسجة الحية، والمعروف بالفوتونات الحيوية.
ما هي الفوتونات الحيوية؟
تُعرف الفوتونات الحيوية بأنها انبعاثات ضوئية ضعيفة جدًا تصدر عن الأنسجة الحية. يُعتقد أن هذه الفوتونات تنتج عن التفاعلات البيوكيميائية التي تولد الطاقة داخل الخلايا. فعندما تحترق الأنسجة الطاقة، يتم إصدار الفوتونات كنتاج ثانوي لهذا الاحتراق. وبما أن الدماغ هو أحد الأعضاء الأكثر استهلاكًا للطاقة في الجسم، يُعتقد أنه يصدر كمية كبيرة من هذه الفوتونات مقارنةً ببقية الأنسجة.
تجربة جديدة تكشف الضوء من الدماغ
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة iScience، تمكن الباحثون لأول مرة من اكتشاف الفوتونات الحيوية الصادرة عن الدماغ البشري من خارج الجمجمة. وقد أظهرت الدراسة أن انبعاثات الفوتونات الحيوية تتغير عندما ينتقل المشاركون بين مهام معرفية مختلفة. ومع ذلك، فإن العلاقة بين نشاط الدماغ وانبعاثات الفوتونات لم تكن واضحة تمامًا.
استخدم الباحثون أجهزة استشعار ضوئية متطورة لرصد الانبعاثات من منطقتين رئيسيتين في الدماغ: الفصوص القذالية المسؤولة عن المعالجة البصرية، والفصوص الصدغية المسؤولة عن المعالجة السمعية. وقد تم إجراء التجربة في غرفة مظلمة لضمان دقة القياسات.
هل تلعب الفوتونات الحيوية دورًا في العمليات العقلية؟
هناك فرضيات تشير إلى أن الفوتونات الحيوية قد تلعب دورًا في التواصل الخلوي، وقد أيدت بعض الدراسات هذه الفكرة خلال العقود الماضية. في التجربة الجديدة، لاحظ الباحثون حدوث تغيرات في إشارات الفوتونات عندما غير المشاركون مهامهم المعرفية، مما يشير إلى وجود علاقة معينة بين معالجة الدماغ والفوتونات التي يصدرها.
ومع ذلك، لم تتمكن التجربة من توضيح ما إذا كانت هذه الفوتونات تلعب دورًا نشطًا في تعديل العمليات العقلية أو إذا كانت تعزز الآليات التقليدية للإدراك.
التحديات والآفاق المستقبلية
من التحديات الرئيسية التي تواجه العلماء هي تحديد مدى قدرة الفوتونات على الانتقال داخل المادة البيولوجية. كما أن هناك حاجة إلى تطوير مجسات أكثر دقة لتحديد مصدر هذه الفوتونات داخل الدماغ. يعمل العلماء حاليًا على تطوير مجسات نانوية لتحديد ما إذا كانت الألياف العصبية قادرة على نقل الفوتونات الحيوية.
حتى إذا لم يكن للضوء الحيوي للدماغ دور وظيفي مباشر، فإن تقنيات قياس الفوتونات الحيوية إلى جانب الإشارات الكهربائية يمكن أن تقدم وسيلة مبتكرة لقياس حالات الدماغ بشكل غير جائر في المستقبل.
الخاتمة
تفتح الدراسات حول الفوتونات الحيوية للدماغ آفاقًا جديدة لفهم العمليات العقلية والتواصل الخلوي. وبينما تظل هناك أسئلة عديدة بحاجة إلى إجابة، فإن الاكتشافات الحالية تمهد الطريق لمزيد من الأبحاث والتقنيات التي قد تسهم في تطوير طرق جديدة لفهم وقياس نشاط الدماغ.