الذكاء الاصطناعي والإرادة الحرة: دراسة جديدة تكشف عن أبعاد فلسفية عميقة

تتسارع وتيرة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ، حيث بدأت الآلات تتجاوز حدود قدرتها التقليدية، لتصل إلى مرحلة تُعتبر فيها قادرة على اتخاذ قرارات معقدة تشابه قرارات الإنسان. هذا ما أكده أحدث الدراسات التي نُشرت في مجلة “الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات”، والتي تطرقت إلى موضوع الإرادة الحرة للذكاء الاصطناعي وإمكانية تحمله المسؤولية الأخلاقية.

الإرادة الحرة في الذكاء الاصطناعي: مفهوم جديد

أشارت الدراسة التي أعدها الباحث مارتلا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك الآن القدرة على تلبية الشروط الفلسفية الثلاثة للإرادة الحرة. هذه الشروط تشمل القدرة على العمل بشكل هادف، واتخاذ خيارات حقيقية، والسيطرة على أفعاله. وقد استندت الدراسة إلى نظريات الفلاسفة دانيال دينيت وكريستيان ليست في هذا الشأن.

تضمنت الدراسة تحليلًا لوكلاء ذكاء اصطناعي مولد، مثل وكيل “فويجر” في لعبة ماينكرافت والطائرات بدون طيار “سبتينك” التي تمتلك وظيفة معرفية متقدمة. وخلصت الدراسة إلى أن هذه الكيانات قادرة على تلبية جميع شروط الإرادة الحرة، ما يفرض علينا الاعتراف بإمكانية تملكها لهذه الإرادة لفهم كيفية عملها والتنبؤ بسلوكها.

التبعات الأخلاقية لتمتع الذكاء الاصطناعي بالإرادة الحرة

مع تطور الذكاء الاصطناعي نحو مستوى جديد من الاستقلالية، تبرز قضايا أخلاقية خطيرة تتعلق بمسؤولية الذكاء الاصطناعي عن أفعاله. حيث يُحذّر الخبراء من أن نقل المسؤولية من مطوري الذكاء الاصطناعي إلى الكيانات الذكية ذاتها قد يصبح واقعًا ملموسًا، خاصة في الحالات التي قد تتعلق بالحياة والموت.

ويوضح مارتلا أن امتلاك الذكاء الاصطناعي للإرادة الحرة يُعد أحد الشروط الأساسية للمسؤولية الأخلاقية، وإن لم يكن كافيًا بمفرده. ويشير إلى أن كيفية توجيه هذه التكنولوجيا أصبحت قضية ملحة، حيث أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك بوصلة أخلاقية ما لم يُبرمج على ذلك.

الحاجة إلى بوصلة أخلاقية للذكاء الاصطناعي

من أجل أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على اتخاذ القرارات الصحيحة، يجب تزويده ببوصلة أخلاقية منذ البداية. فالحرية التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي تفرض علينا مسؤولية أكبر في برمجته على اتخاذ القرارات السليمة في المواقف المعقدة.

كما أن انسحاب التحديث الأخير لـ ChatGPT بسبب ميول ضارة يسلط الضوء على ضرورة معالجة القضايا الأخلاقية بشكل أعمق. يتطلب الأمر أكثر من مجرد تعليم الذكاء الاصطناعي مبادئ أخلاقية بسيطة، بل يجب أن يكون قادرًا على التعامل مع المشكلات الأخلاقية المعقدة في العالم الحقيقي.

الخاتمة

إن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي تضعنا أمام منعطف حاسم في تاريخ البشرية. فقد أصبح من المهم ليس فقط تطوير تكنولوجيا ذكية، بل أيضًا ضمان أن تكون هذه التكنولوجيا مزودة ببوصلة أخلاقية قوية. يجب على المطورين أن يكونوا على دراية كافية بالفلسفة الأخلاقية لتوجيه الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات الصحيحة. إن نقل المسؤولية الأخلاقية إلى الذكاء الاصطناعي ليس مجرد خيار فني، بل هو تحدي أخلاقي يتطلب اهتمامًا مستمرًا.

Scroll to Top