يُعتبر الحنين إلى الماضي عاطفة معقدة تجمع بين الشوق العاطفي إلى زمن مضى والإدراك المرير بأن العودة إلى ذلك الزمن غير ممكنة. لطالما انشغل علماء النفس بفهم سبب شعور البشر بهذه العاطفة المعقدة وما هي وظائفها المحتملة: هل يوقعنا الحنين في فخ الماضي، أم أنه يعمل كموارد نفسية يمكن أن تقودنا نحو المستقبل؟
الحنين والروابط الاجتماعية
يمكن للناس أن يشعروا بالحنين لأشياء كثيرة، ولكن الأبحاث تشير إلى أن الحنين غالباً ما يركز على الآخرين، خاصة أولئك الذين يحملون معنى كبيراً في حياتنا. ربما نشعر بالحنين إلى تجمعات العائلة في الطفولة، أو التجارب المشتركة مع أصدقاء المدرسة أو الأعياد التي قضيناها مع أحبائنا. حتى عندما نشعر بالحنين إلى الأشياء مثل ألعاب الطفولة أو رائحة وجبة معينة، غالباً ما تبرز هذه المشاعر لحظات تقاسمناها مع من حولنا.
رغم أن النغمات الاجتماعية للحنين معروفة للباحثين، إلا أن تأثيرها على العلاقات الاجتماعية لا يزال أقل فهماً. في أبحاث سابقة، وجدنا أن الناس خلال جائحة كوفيد-19 لجأوا إلى الموسيقى التي تثير مشاعر الحنين عندما شعروا بالوحدة وافتقدوا الاتصال الاجتماعي أثناء الإغلاق. يبدو أن الناس يجدون العزاء في الحنين عندما يكونون منفصلين عن الآخرين.
هل يمكن للحنين أن يُحفز على تعزيز الروابط الاجتماعية؟
تساءلنا عما إذا كان يمكن للحنين أن يُحفز لمساعدة الناس على تنظيم اتصالاتهم وشبكاتهم الاجتماعية. لذلك أجرينا سلسلة من الدراسات لفحص ما إذا كان الحنين يجلب ليس فقط مشاعر مؤقتة من الاتصال، بل يحفز الناس على السعي إلى تحقيق الاتصال مع الآخرين المقربين.
في أول دراستين، قمنا بمسح 449 طالباً جامعياً من جامعة بفالو و396 بالغاً أمريكياً إضافياً تم تجنيدهم من خلال لجنة استبيان وطنية. أكمل المشاركون مقياساً لقياس “ميل الحنين”، الذي يقيم مدى تكرار شعورهم بالحنين ومدى أهمية تجارب الحنين لهم.
الحنين وتأثيره على الشبكات الاجتماعية
أظهرت النتائج أن المشاركين الذين كانوا عرضة بشكل كبير للحنين كان لديهم عدد أكبر من الأشخاص في دائرة صداقتهم الأعمق. علاوة على ذلك، كان هذا الميل مرتبطاً بدافعهم للحفاظ على شبكتهم الاجتماعية. يبدو أن الأشخاص الحنينين يكونون أكثر اندفاعاً لاستثمار الموارد في الحفاظ على علاقاتهم بمرور الوقت، وهذا التأثير يتحقق بغض النظر عن سمات الشخصية مثل الانبساط أو المقبولية أو الاستقرار العاطفي.
تشير الأبحاث السابقة إلى أن هناك دافعين رئيسيين يتعلقان بشبكاتنا الاجتماعية: أحدهما للالتقاء بأشخاص جدد والآخر لتعزيز اتصالاتنا الحالية. اكتشفنا أن الأشخاص الذين يميلون إلى الحنين يسجلون درجات عالية في كلا النوعين من الدوافع الاجتماعية، لكن التأثير كان أقوى لتعزيز شبكتهم الموجودة.
نتائج الدراسة في هولندا
في دراسة ثالثة، سعينا لفهم ما إذا كان الحنين يسبب تغييرات في السلوك والدوافع، بتحليل بيانات من هولندا تتبع نفس المجموعة من 520 مشاركاً من عام 2013 إلى 2019. أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يميلون إلى الحنين كان لديهم عدد أكبر من الروابط الاجتماعية القريبة.
الأمر المثير للاهتمام هو أن الحنين الذي تم قياسه في وقت سابق تنبأ بزيادة في شبكة الروابط القريبة في وقت لاحق. على النقيض، لم يكن لشبكة اجتماعية قريبة أكبر تأثير على زيادة الميل للحنين في وقت لاحق، مما يوحي بأن الحنين قد يكون محركاً للتغيرات في السلوك الاجتماعي الذي يعزز الاتصال.
الخاتمة
تشير أبحاثنا إلى أن الحنين، كعاطفة موجهة إلى الماضي، يمكن أن يكون له تأثير كبير وطويل الأمد على علاقاتنا الاجتماعية. نعتقد أن الحنين يعمل كموارد نفسية تساعد الناس في مواجهة فقدان الصداقات والعلاقات الوثيقة مع تقدمهم في العمر. لذا، استمتع بالاستماع إلى أغنيتك المفضلة من أيام المدرسة الثانوية أو مشاهدة حلقة من برنامج تلفزيوني ضحكت عليه عندما كنت شاباً. قد يعمل الحنين كإشارة عاطفية توجهنا للتفكير فيما هو مهم حقاً في حياتنا، ويذكرنا بقوة العيش الكامل في الحاضر مع أحبائنا، نحو مستقبل مشترك.