يُعد مرض باركنسون أحد الأمراض العصبية التنكسية التي تبدأ أعراضها بشكل طفيف، مثل الرعشة الخفيفة في اليد أو تصلب بسيط. ومع مرور الوقت، تتفاقم الأعراض بسبب موت الخلايا الدماغية. لطالما كانت أسباب المرض لغزًا، ولكن الأبحاث الحديثة قد تقربنا خطوة نحو فهم أفضل لهذا المرض.
دور البروتين α-synuclein في المرض
يعتبر البروتين α-synuclein محور الاهتمام في الأبحاث المتعلقة بمرض باركنسون. في الدماغ السليم، يلعب هذا البروتين دوراً في التواصل بين الخلايا. لكن في حالة باركنسون، يتصرف بروتين α-synuclein بشكل غير طبيعي، حيث يتكتل في تشكيلات سامة تؤدي إلى تدهور الخلايا العصبية.
حتى الآن، ركزت معظم الأبحاث على التجمعات الكبيرة المعروفة بالألياف التي يمكن رؤيتها في أنسجة الدماغ لدى المرضى. لكن دراسة جديدة تركز على التكوينات الأصغر والأكثر سمية: وهي الأوليغومرات من بروتين α-synuclein، التي تمتلك القدرة على تشكيل ثقوب مجهرية في أغشية الخلايا العصبية.
البحث الجديد وآليته
نشرت الدراسة الحديثة في مجلة ACS Nano المرموقة، حيث تمكن الباحثون لأول مرة من مراقبة كيفية تشكيل هذه الأوليغومرات للثقوب وكيفية سلوكها. يتم هذا التكوين في ثلاث خطوات: أولاً، تلتصق الأوليغومرات بالغشاء، خاصة في المناطق المنحنية. بعد ذلك، تدمج نفسها جزئيًا في الغشاء. وأخيرًا، تشكل مسامًا تسمح للجزيئات بالمرور، مما قد يعطل توازن الخلية الداخلي.
المسام ليست ثابتة بل تتصرف مثل الأبواب الدوّارة الصغيرة، تفتح وتغلق بشكل مستمر. هذا السلوك الديناميكي قد يساعد في تفسير لماذا لا تموت الخلايا على الفور، حيث أن فتح وإغلاق المسام قد يسمح لخلايا الجسم بتعويض هذه الفجوات مؤقتًا.
منصة التحليل الجديدة
أُنجزت هذه الاكتشافات بفضل منصة تحليل جديدة تعتمد على الفقاعات المفردة التي تحاكي أغشية الخلايا. هذه الفقاعات تعمل كنماذج مبسطة للخلايا الحقيقية، مما يسمح للباحثين بمتابعة التفاعلات بين البروتينات والفيسكلات الفردية.
تُشبه هذه العملية مشاهدة فيلم جزيئي بالحركة البطيئة، مما يمكن الباحثين من رؤية ما يحدث واختبار تأثير جزيئات مختلفة على العملية، مما يجعل المنصة أداة قيمة لفحص الأدوية.
الطريق الطويل نحو العلاج
بدأ الفريق بالفعل في اختبار الأجسام المضادة الصغيرة التي تم تطويرها للارتباط بهذه الأوليغومرات على وجه التحديد. تظهر هذه الأجسام المضادة كمؤشرات تشخيصية عالية الانتقائية، لكنها لا توقف تشكيل المسام. ومع ذلك، قد تساعد في اكتشاف الأوليغومرات في المراحل المبكرة من المرض، وهو أمر حاسم لأن باركنسون يُشخص عادةً بعد حدوث تلف عصبي كبير بالفعل.
أظهرت الدراسة أن المسام لا تتكون بشكل عشوائي بل تظهر في أنواع معينة من الأغشية، خاصة تلك التي تشبه أغشية الميتوكوندريا، ما يشير إلى أن الأضرار قد تبدأ هناك.
الخاتمة
رغم أن الدراسة أُجريت في أنظمة نموذجية وليست في خلايا حية، إلا أنها تفتح آفاقًا جديدة لفهم آليات مرض باركنسون. الخطوة التالية هي تكرار النتائج في الأنسجة البيولوجية، حيث تدخل عوامل أكثر تعقيداً في اللعب. تعتبر هذه الدراسة خطوة هامة نحو فهم أفضل للمرض وتطوير علاجات مستقبلية.