في خطوة علمية بارزة، اكتشف العلماء طريقة جديدة لإيقاف انتشار الخلايا السرطانية في الدماغ، لا تستند إلى مهاجمة الورم مباشرة، بل عبر تعديل البيئة المحيطة به. تُعد هذه الطريقة بمثابة نقلة نوعية في علاج الأورام الصلبة مثل الورم الأرومي الدبقي، الذي يُعتبر من أكثر أنواع السرطان الدماغي فتكًا.
فهم طريقة الانتشار
يعتمد انتشار خلايا الورم الأرومي الدبقي بشكل كبير على مرونة جزيئات حمض الهيالورونيك، وهو بوليمر يشبه السكر يشكل الجزء الأكبر من بنية دعم الدماغ. يقوم هذا الحمض بالارتباط بمستقبلات على سطح الخلايا السرطانية، محفزًا بذلك انتشارها عبر أنسجة الدماغ.
من خلال تجميد هذه الجزيئات وفقدانها لمرونتها، تمكن الباحثون من “إعادة برمجة” الخلايا السرطانية لتصبح غير قادرة على الحركة أو غزو الأنسجة المحيطة.
تغيير البيئة بدلًا من قتل الخلايا
بعكس العلاجات التقليدية التي تركز على تدمير الخلايا السرطانية، تعتمد هذه الطريقة على تغيير البيئة المحيطة بالورم، مما يساهم في منع إعادة نمو السرطان بعد الجراحة. هذا النهج الجديد قد يكون له تطبيقات مستقبلية تتجاوز الورم الأرومي الدبقي ليشمل أورام صلبة أخرى تتأثر بالبيئة المحيطة بها.
يقول العلماء إن إعادة برمجة الخلايا السرطانية من خلال تعديل المصفوفة خارج الخلوية يُعد ابتكارًا لم يُجرب من قبل في محاولة لتغيير نتائج السرطان.
التقنيات المستخدمة
استخدم الفريق البحثي تقنية الرنين المغناطيسي النووي (NMR) لإظهار أن جزيئات حمض الهيالورونيك تتخذ أشكالًا تسمح لها بالارتباط بقوة بمستقبلات CD44 على الخلايا السرطانية، مما يدفعها للغزو. ولكن عند تجميد هذه الجزيئات، تتوقف تلك الإشارات.
هذا التأثير يظهر حتى بتركيزات منخفضة من الحمض، مما يشير إلى أن الخلايا لم تكن محاصرة جسديًا بل تمت إعادة برمجتها لتصبح في حالة خمول.
التحديات والآفاق المستقبلية
يتطلب تطبيق هذه الطريقة على البشر إجراء تجارب مكثفة على الحيوانات أولاً. كما أن هناك بعض التحديات التي يجب مواجهتها مثل كيفية تجنب عودة السرطان في مكان الجراحة، حيث أن تجمع السوائل في موقع الجراحة قد يؤدي إلى تخفيف تركيز حمض الهيالورونيك وزيادة مرونته، مما يشجع على غزو الخلايا.
الباحثون متفائلون بأن هذه التقنية قد تكون بداية لعلاجات جديدة أكثر فعالية وذات تأثير طويل الأمد على أنواع عديدة من السرطانات.
الخاتمة
إن تغيير بيئة الخلايا السرطانية بدلًا من محاولة تدميرها يمثل نقلة نوعية في فهم وعلاج السرطان. من خلال التركيز على المصفوفة خارج الخلوية، يمكن لهذه الطريقة أن تقدم أملًا جديدًا لمرضى الورم الأرومي الدبقي، وربما للعديد من أنواع السرطان الأخرى في المستقبل. يستمر العمل حاليًا على إجراء المزيد من الأبحاث لاختبار فعالية هذه الطريقة وتطبيقها على نطاق أوسع.