يعد مرض باركنسون من الأمراض التنكسية التي تصيب الدماغ وتؤثر على الملايين من الناس حول العالم. ومع تقدم المرض، يموت نوع معين من الخلايا العصبية، لكن لم يكن معروفًا السبب وراء ذلك بشكل دقيق. تقدم دراسة جديدة نُشرت في مجلة eLife العلمية نظرة أعمق على كيفية موت هذه الخلايا العصبية في الفئران، وما يمكن أن يعنيه ذلك لفهم مرض باركنسون لدى البشر.
الخلايا العصبية والدوبامين: الجزء الأكثر تأثراً
تُعرف الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين بأنها تلعب دوراً حاسماً في التحكم في الحركة الطوعية. وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن نشاط هذه الخلايا يزداد لدى الأشخاص المصابين بمرض باركنسون، سواء قبل أو بعد بدء التنكس. ولكن هل يمكن لنشاط هذه الخلايا المتزايد أن يؤدي مباشرة إلى موتها؟ هذا هو السؤال الذي حاول العلماء الإجابة عليه في دراستهم الجديدة.
في الدراسة، استخدم الباحثون تقنية لإدخال مستقبلات جديدة إلى الخلايا العصبية للفئران، مما مكنهم من زيادة نشاط هذه الخلايا عبر مادة كيميائية تُضاف إلى الماء الذي تشربه الفئران. هذا الأسلوب أعطى العلماء القدرة على مراقبة تأثير التنشيط المستمر للخلايا العصبية، والذي يمكن أن يكون مشابهاً لما يحدث في مرض باركنسون.
التغيرات الجزيئية والتدهور العصبي
وجد الباحثون أنه بعد بضعة أيام من تنشيط الخلايا العصبية، بدأ النمط الطبيعي لنشاط الفئران يتغير. وبعد أسبوع واحد، تمكنوا من ملاحظة تنكس في محاور الخلايا العصبية. وبعد شهر، بدأت الخلايا في الموت. لاحظ العلماء أن هذه التغيرات كانت تتركز بشكل كبير في منطقة المادة السوداء في الدماغ، المنطقة المسؤولة عن التحكم في الحركة، بينما ظلت الخلايا العصبية في المناطق الأخرى سليمة.
قدمت الدراسة فهماً أعمق لكيفية تغير مستويات الكالسيوم والتعبير الجيني المرتبط بعملية استقلاب الدوبامين، وهو ما قد يفسر لماذا يؤدي التنشيط المفرط إلى موت الخلايا العصبية.
الآثار المحتملة على العلاجات المستقبلية
تفتح هذه الدراسة الباب أمام فهم جديد لموت الخلايا العصبية في مرض باركنسون، حيث تشير إلى أن تعديل نمط نشاط الخلايا العصبية بواسطة الأدوية أو التحفيز العميق للدماغ قد يساعد في حمايتها وإبطاء تقدم المرض. يبدو أن التنشيط المفرط يمكن أن يبدأ دورة مدمرة تؤدي إلى انخفاض إنتاج الدوبامين، مما يزيد من مشاكل الحركة ويؤدي إلى إرهاق الخلايا العصبية المتبقية وموتها.
رغم أن الدراسة لم تكشف عن سبب زيادة نشاط الخلايا العصبية في مرض باركنسون، إلا أن هناك اعتقادًا بأن العوامل الجينية والبيئية قد تلعب دوراً. قد يكون التنشيط المفرط جزءًا من دائرة مدمرة تبدأ في وقت مبكر من المرض.
الخاتمة
تسلط الدراسة الضوء على أهمية فهم الأسباب الجزيئية الكامنة وراء موت الخلايا العصبية في مرض باركنسون. بإظهار كيف يمكن أن يؤدي التنشيط المفرط للخلايا العصبية إلى موتها، تقدم الدراسة أدلة قد تسهم في تطوير استراتيجيات علاجية جديدة تهدف إلى حماية هذه الخلايا وإبطاء تقدم المرض. إن هذا الفهم العميق قد يفتح آفاقًا جديدة في علاج مرض باركنسون ويعزز الأمل في تحسين حياة الملايين من المصابين به حول العالم.