يُعتبر الحمل الذي يدعم التطور الكامل للجنين إنجازًا تطوريًا بارزًا لدى الثدييات المشيمية، وهي مجموعة تشمل البشر. ويتمركز في قلب هذا الإنجاز الواجهة الجنينية-الأمومية، وهي الموقع في الرحم حيث يلتقي مشيمة الجنين بجدار رحم الأم، حيث يتفاعل كائنان مختلفان وراثيًا – الأم والجنين.
دراسة الواجهة الجنينية-الأمومية
تُعد الواجهة الجنينية-الأمومية موقعًا حاسمًا للتوازن بين توفير العناصر الغذائية والإشارات من جهة وحماية الجنين من الجهاز المناعي للأم من جهة أخرى. لفهم أصول وآليات هذه البنية المعقدة، قام فريق الباحثين بتحليل ترانسكربتومات الخلايا الفردية من ستة أنواع من الثدييات تمثل فروعًا رئيسية لشجرة التطور الثديي.
تضمنت الدراسة الفئران وخنازير غينيا (القوارض)، والقرود والبشر (الرئيسيات)، ونوعين آخرين من الثدييات أكثر غرابة: التينريك (أحد الثدييات المشيمية المبكرة) والأبوسوم (حيوان جرابي انفصل عن الثدييات المشيمية قبل تطور المشيمات المعقدة).
أطلس خلوي للحمل لدى الثدييات
من خلال تحليل الخلايا في الواجهة الجنينية-الأمومية، تمكن الباحثون من تتبع الأصل التطوري وتنوع الأنواع الخلوية الأساسية المشاركة. ركزت الدراسة على نوعين رئيسيين: خلايا المشيمة التي تنشأ من الجنين وتغزو أنسجة الأم، وخلايا السدى الرحمية التي تنشأ من الأم وتستجيب لهذا الغزو.
باستخدام أدوات البيولوجيا الجزيئية، حدد الفريق توقيعات جينية مميزة – أنماط من نشاط الجينات فريدة من نوعها لأنواع خلوية معينة ووظائفها المتخصصة. بشكل ملحوظ، اكتشفوا توقيعًا جينيًا مرتبطًا بالسلوك الغزوي لخلايا المشيمة الجنينية تم الحفاظ عليه في الثدييات لأكثر من 100 مليون سنة.
الحوار الخلوي: بين التعاون والصراع
لاستكشاف كيفية عمل الواجهة الجنينية-الأمومية، اختبرت الدراسة نظريتين مؤثرتين حول تطور التواصل الخلوي بين الأم والجنين. النظرية الأولى، “فرضية التوضيح”، تتنبأ بأنه مع مرور الوقت التطوري، تصبح الإشارات الهرمونية واضحة المصدر إما من الجنين أو الأم لتجنب التلاعب.
النظرية الثانية، “فرضية التصاعد” أو “الصراع الجينومي”، تقترح سباق تسلح تطوري بين جينات الأم والجنين – مثل تعزيز الجنين للإشارات النمو بينما تحاول الأم تقليلها. أظهرت الدراسة أن التعاون الدقيق في الإشارات كان السائد، مع وجود صراع محدود في مناطق جينية معينة.
تحليل الخلايا الفردية: مفتاح لاكتشافات تطورية
كان من الممكن تحقيق هذه الاكتشافات بفضل دمج تقنيتين قويتين: الترانسكربتومات الخلايا الفردية وتقنيات النمذجة التطورية التي تساعد العلماء على إعادة بناء كيف كانت المظاهر في أسلاف بعيدة. من خلال تطبيق هذه الطرق على الأنواع الخلوية ونشاط جيناتها، تمكن الباحثون من محاكاة كيفية تواصل الخلايا في أنواع مختلفة، وحتى كيفية تطور هذا الحوار على مدى ملايين السنين.
الخاتمة
تسلط الدراسة الضوء على كيف تطور الحمل لدى الثدييات، وتقدم إطارًا جديدًا لتتبع الابتكارات التطورية على المستوى الخلوي. يمكن أن تحسن هذه الرؤى من فهمنا وتشخيصنا وعلاجنا لمضاعفات الحمل في المستقبل. تم إجراء البحث في مختبرات جامعة فيينا وجامعة ييل بدعم من مؤسسة جون تمبلتون وصندوق العلوم النمساوي.