على مدى عقود طويلة، ارتبطت صورة الديناصورات في أذهان الناس بالزواحف البطيئة الضخمة التي تستلقي تحت الشمس، تمامًا كالسحالي العملاقة. غير أن هذا التصور بدأ يتغير مع تقدم علم الحفريات، إذ اكتشف العلماء أن الديناصورات أقرب إلى الطيور من الزواحف المعاصرة.
في الحقيقة، يتفق العلماء اليوم على أن الطيور هي الديناصورات الوحيدة التي نجت من الانقراض الجماعي الذي حدث قبل 66 مليون سنة. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحًا: إذا كانت الطيور تنحدر من الديناصورات، فلماذا ليست من ذوات الدم البارد كما هو الحال مع أغلب الزواحف؟
الجواب المباشر هو أن معظم الديناصورات لم تكن من ذوات الدم البارد في الأصل، بل من ذوات الدم الحار تمامًا كالطيور والثدييات.
الديناصورات الحرارية: أصول الطيور
تنحدر الطيور من مجموعة من الديناصورات الثنائية الأرجل تعرف باسم “الثيروبودات”، والتي شملت مفترسات شهيرة مثل التيرانوصور ركس وكذلك ديناصورات صغيرة الحجم مثل المونونيكوس.
الطيور، مثلها مثل الثدييات، هي كائنات حرارية داخلية – أي أنها تتحكم في درجة حرارة أجسامها من الداخل، على عكس الكائنات ذات الدم البارد التي تعتمد على حرارة البيئة المحيطة.
هذه الخاصية تتيح للطيور مستوى عالٍ من النشاط البدني، مثل الطيران، وتتطلب معدل أيض مرتفع للحفاظ على الطاقة والحرارة. وقد أوضحت الباحثة هولي وودوارد من جامعة ولاية أوكلاهوما أن “الدم الحار يمنح الحيوان القدرة على النشاط في أي وقت، حتى في الليل، وهو ما يعزز فرص النجاة والبحث عن الطعام”.
المقارنة بين الأيض الحيوي في الطيور والزواحف
تُظهر الطيور معدلات أيض أعلى من معظم الثدييات ذات الحجم المماثل، وتحافظ على حرارة جسم مرتفعة تتراوح بين 41 و43 درجة مئوية. على سبيل المثال، يحتاج طائر الطنان إلى تناول الطعام كل 10 إلى 15 دقيقة، لأنه يستهلك ما يقارب نصف وزنه يوميًا.
أما الزواحف ذات الدم البارد مثل التماسيح، فتستهلك طاقة أقل بكثير ويمكنها الصمود لفترات طويلة بدون طعام، وأحيانًا لعام كامل.
التحول في النظرة العلمية: من الزواحف إلى الديناصورات النشطة
في ستينيات القرن الماضي، بدأت النظرة إلى الديناصورات تتغير مع اكتشاف ديناصور يشبه الطيور يُدعى دينونيكوس. ومنذ ذلك الحين، تراكمت الأدلة التي تشير إلى أن بعض الديناصورات كانت بالفعل من ذوات الدم الحار.
أحد هذه الأدلة هو وجود الريش، وهو سمة واضحة للحيوانات الحرارية التي تحتاج إلى الحفاظ على حرارة أجسامها. كما درست وودوارد بنية الأنسجة العظمية، حيث وجدت أن نمو العظام لدى الديناصورات يشبه بشكل كبير الطيور والثدييات، ما يدعم فرضية أنها كانت من ذوات الدم الحار.
متى ظهرت خاصية الدم الحار؟
تشير الدراسات إلى أن الديناصورات والتماسيح تتشاركان سلفًا زاحفيًا مشتركًا. وهناك احتمال كبير أن هذا السلف كان من ذوات الدم الحار، ما يعني أن هذه الخاصية نشأت قبل ظهور الديناصورات نفسها.
لكن من المحتمل أيضًا أن خاصية الدم الحار ظهرت بشكل مستقل في كل من الثدييات والديناصورات، وهو أمر لا يزال محط جدل في الأوساط العلمية.
الخاتمة
إذا كانت الطيور من نسل الديناصورات، فإن خاصية الدم الحار ليست استثناءً بل استمرار لميزة ظهرت منذ عصور سحيقة. الأبحاث الحديثة تُظهر أن الديناصورات، مثلها مثل الطيور، كانت كائنات نشطة ذات أيض مرتفع وقدرة على التكيف في ظروف مختلفة. وهذا يعزز الفرضية بأن تصوراتنا القديمة عن الديناصورات كزواحف بطيئة قديمة تحتاج إلى تحديث مستمر، تمامًا كما تتجدد اكتشافات العلم يومًا بعد يوم.