أظهرت دراسة رائدة نُشرت في مجلة PLOS Biology، بقيادة الدكتور روبرت بروكلهيرست، أستاذ سابق في قسم الأحياء العضوية والتطورية بجامعة هارفارد، أن التحول نحو الوضعية المنتصبة في الثدييات لم يكن خطيًا كما كان يُعتقد سابقًا. بل كان مليئًا بالتحولات غير المتوقعة والتجارب التطورية والتغيرات الكبيرة في التشريح.
تاريخ تطور الثدييات: من الزحف إلى الانتقال المنتصب
لطالما اعتُبر تطور الثدييات سلسلة من الخطوات من الوضعية الزاحفة إلى الوضعية شبه الزاحفة ثم إلى الوضعية المنتصبة. لكن البحث الذي قاده بروكلهيرست كشف عن تقدم تطوري غير خطي عبر تاريخ الثدييات. تشترك جميع الثدييات، من الخفافيش والحيتان إلى الخلد والإنسان، في طريقة مميزة للحركة، حيث تحتفظ بأطرافها تحت أجسامها، بخلاف الوضعية الزاحفة التي تكون فيها الأطراف ممتدة إلى الجانبين.
هذه الوضعية تُمكن من حركة أكثر كفاءة وترتبط بقدرة الثدييات على التكيف مع أنماط حياة متنوعة، من الحفر إلى الطيران. وقد رافق هذا التحول تغييرات كبيرة في شكل عظام الأطراف وميكانيكياتها.
التحليل البيوميكانيكي للأطراف: رؤية جديدة في التطور
لتحليل هذه التغيرات، قام الفريق بفحص عظم العضد لأكثر من 60 حفرية من الزواحف غير الثديية و140 حيوانًا حيًا، بما في ذلك الثدييات والزواحف والبرمائيات. باستخدام تقنية تحليلية جديدة، طورها فريق البحث، قاموا بمسح سطح كل عظم لقياس خصائص مثل الطول وتوزيع الكتلة ورافعة العضلات والالتواء.
هذه الخصائص تتوافق مع أنماط حركية محددة، مما أتاح للباحثين إعادة بناء الوضعية والحركة في الحفريات. وبهذا، استطاع الباحثون اختبار مدى توافق العظام الأحفورية مع مهام وظيفية معينة، مثل المشي المنتصب مقابل المشي الزاحف.
التنوع التطوري: انفجارات الابتكار في الجدول الزمني للتطور
كان من المتوقع رؤية تقدم منظم من الزواحف القديمة الزاحفة إلى الثدييات المنتصبة الحديثة، ولكن النتائج أظهرت انفجارات من الابتكار. تشير النتائج إلى أن تطور الثدييات تضمن سلسلة من الإشعاعات التكيفية، حيث استكشفت كل مجموعة أجداد رئيسية مجموعة واسعة من وظائف الأطراف الأمامية ووضعياتها.
بعض هذه الوظائف كانت أقرب إلى الثدييات الحديثة، بينما لم تكن الأخرى كذلك. هذه النتائج تعزز الفكرة بأن الوضعية المنتصبة والتكيفات الحركية كانت ابتكارات تطورية متأخرة ولم تكن سمة مبكرة في سلالة الثدييات.
التحديات التقنية والتحليل المتقدم للأحفوريات
لمقارنة مجموعة متنوعة من العظام، والتي تمتد عبر مئات الأنواع ومئات الملايين من السنين في العمر، تغلب الفريق على عقبات تقنية كبيرة. لم تعمل الطرق التقليدية التي تصف الشكل في الهياكل المماثلة، لذلك أعاد الفريق هندسة حزمة برمجيات R لتصبح أداة جديدة تتناسب مع هذا التحليل.
ساعدت ماجدالين ميركادو، والتي كانت طالبة جامعية في برنامج الأحياء التكاملية بجامعة هارفارد، في جمع مجموعة البيانات الواسعة كجزء من أطروحتها البحثية.
الخاتمة
تقدم هذه الدراسة تحليلًا تطوريًا واسع النطاق لوضعية الثدييات باستخدام البيوميكانيكا الكمية. إنها ليست سوى البداية، حيث يعمل الفريق الآن على بناء نماذج مفصلة للأطراف الأمامية لبعض الأنواع الأحفورية لفهم كيفية عمل المفاصل والعضلات في الحيوانات القديمة بشكل أعمق.
كما أشار بروكلهيرست، “فهم كيفية وصول الثدييات إلى المشي المنتصب لا يتعلق فقط بالعظام، بل بكشف التاريخ الديناميكي للحياة على الأرض.”