يُعتبر الانتقال من الجمع إلى الزراعة أحد التحولات الكبرى في تاريخ البشرية، حيث شكّل الأساس لتوسع الحضارة الحديثة. في هذا المقال، نستكشف دراسة أجراها فلوريس-بلانكو وزملاؤه حول الأنظمة الغذائية للأشخاص الذين عاشوا في منطقة الأنديز خلال هذه الفترة الانتقالية.
دراسة النظام الغذائي عبر تحليل النظائر
قام الباحثون بتحليل النسب بين نظائر الكربون والنيتروجين المستخرجة من عظام 16 فردًا مدفونين في مواقع كايلاشورو وجيسكايروموكو في حوض بحيرة تيتيكاكا. تعود هذه المواقع إلى الفترة ما بين 5000 إلى 3000 سنة مضت، وهي فترة التحول من الجمع إلى الزراعة.
أظهرت توقيعات النظائر أن النظام الغذائي كان يحتوي على نسبة عالية من المواد النباتية (84%)، إلى جانب نسبة أصغر من اللحوم من الثدييات الكبيرة. هذه النسب لم تكن فقط متسقة طوال هذه الفترة الانتقالية في كلا الموقعين، بل كانت أيضًا مماثلة لتلك الخاصة بالمجتمعات التي اعتمدت على الجمع في الفترات السابقة والمجتمعات الزراعية اللاحقة.
التنوع الاقتصادي والثقافي
تناقض هذه النتائج الصورة الشائعة عن التحول الزراعي كمحرك ناتج عن المشقة، وتكشف بدلاً من ذلك أن الموارد الغذائية ظلت ثابتة لآلاف السنين. تم إدارة الأطعمة البرية وتدجينها بشكل متزايد، مما أدى إلى خلق اقتصادات مختلطة تجمع بين الجمع والزراعة.
يقترح المؤلفون أن هذا الصمود الاقتصادي كان مدعومًا على الأرجح بالتقدم الثقافي الحاصل في ذلك الوقت، بما في ذلك توسيع شبكات التجارة والابتكارات في تقنيات الخزف والرماية.
إعادة تقييم تاريخ الزراعة في الأنديز
يقول لويس فلوريس-بلانكو: “تُظهر أبحاثنا أن أصل الزراعة في حوض تيتيكاكا كان عملية صامدة. اعتمد شعوب الأنديز القديمة على معرفتهم العميقة بجمع النباتات البرية مثل البطاطا والكينوا، بالإضافة إلى صيد الجمال. باستخدام فهمهم لبيئتهم، أداروا مواردهم بشكل فعال – مما أدى إلى تدجين كل من النباتات والحيوانات – ودمجوا هذه الأنواع المدجنة تدريجيًا في نظامهم الغذائي”.
الخاتمة
تُظهر هذه الاكتشافات، التي جاءت من دمج مساهمات من مجالات متخصصة مختلفة، أن الانتقال إلى الزراعة في الألتيبلانو كان عملية مستقرة وكافية غذائيًا استمرت لآلاف السنين. تقدم هذه النتائج دليلاً حاسمًا يكشف عن قدرة المجتمعات الأنديزية على إدارة مواردها بكفاءة، مثل الدرنات والحبوب، والحفاظ على استقرار طويل الأمد.